Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

الأنباء الليبية : مسؤول أثار ليبي : نهب الآثار وسرقتها من ليبيا لم يبدأ عام 2011، وانما من القرن الثامن عشر واستمر حتى وقتنا الحالي.

نشر بتاريخ:

 متابعة : علي بوسنينة - هدى العبدلي

بنغازي 04 نوفمبر 2025 م ( وال) – سلطت صحيفة الأنباء الليبية في تقرير مهم عن الآثار الليبية المسروقة ، والمنهوبة ، مند عدة عقود ، والصعوبات التي تعيق عمليات تتبعها واستردادها ، معتبرة أن عمليات سرقتها وتهريبها وتهجيرها خارج سواء كانت عبر جماعات منظمة من عصابات عالمية وشبكات إجرامية أو عشوائية هي سرقة لتاريخنا وهويتنا .

واستهلت الصحيفة التابعة لـ (وال) متابعتها لهذه القضية الهامة بمقدمة راصدة لاحد رجالات الوطن ، وهو يتفاني ، في الحفاظ على تاريخ وهوية الوطن قائلة ( بخطاه السريعة المتعبة، يشق خبير الآثار خالد الهدار، ذو السبعين عاما، طريقه وسط أحراش وادي جازة شرق مدينة بنغازي، كان يلهث من الإرهاق وهو يصعد نحو كهف في أعلى الوادي، أخبروه مسبقًا عن وجود رسومات أثرية واضحة على جدرانه.

وعندما وصل أخيرا، ألقى الخبير العاشق لتاريخ بلاده نظرة على النقوش القديمة، وبدأ بفحصها بعناية كمن وجد كنزا مفقودا ويحمد الله أن سبقت خطاه أيادي العابثين من تجار التاريخ، أولئك الذين يبيعون آثار الوطن مقابل دراهم زهيدة لا تغنيهم ولا تكفيهم، بل تزيدهم طمعا في مواصلة نبش الأرض والمتاجرة بذاكرة البلاد وتاريخها، ضاربين بعرض الحائط كل قيم الانتماء والوطنية.

خبير الآثار، عضو هيئة التدريس بقسم الآثار جامعة بنغازي خالد الهدار، مدير مكتب الآثار المسروقة سابقا، بدأ حديثه لصحيفة (وال) بالقول إن نهب الآثار وسرقتها من ليبيا لم يبدأ عام 2011، ولكنه بدأ منذ القرن الثامن عشر واستمر عدة قرون حتى الوصول إلى عام 2011 ولوقتنا الحالي ، مبينا أنه في الواقع لا يوجد تحديدا عدد أو تقدير محدد للآثار التي سرقت قبل عام 2011، الموجود تقدير أولي، ولكن ليس لدينا تقدير نهائي. بعد عام 2011، بطبيعة الحال، حدث ما حدث بسبب انعدام الأمن في تلك الظروف، سواء في المواقع الأثرية أو المتاحف والمصارف التي بها مقتنيات أثرية، ولكن أيضًا لا نملك عددًا دقيقًا للآثار التي سرقت، لكننا نحاول قدر الإمكان أن نضع تقديرات أولية.

وأوضح أنه على سبيل المثال، أكبر سرقة هي سرقة كنز بنغازي ويمكن أن نضع لها تقديرا بعددها، وهو عدد كبير جدا يصل إلى أكثر من ( 1000 ) قطعة أثرية. من ناحية أخرى، على سبيل المثال، لدينا سرقات أخرى في عدة متاحف، مثل متحف بني وليد وتقدر السرقة فيه بحوالي أكثر من ( 300 ) قطعة أثرية، وهناك متاحف أخرى مثل متحف سوسة، المتحف الوطني بطرابلس، متحف السرايا، متحف سرت، متحف مصراتة، هذه المتاحف كلها سرقت منها مجموعات أثرية.

وأستطرد قائلا بدون الخوض في التفاصيل، نستطيع القول إن ما بعد 2011 سرقت مئات الآلاف من القطع الأثرية، هذه القطع وعددها الآلاف مسجلة ومرصودة، ولكن أيضًا هناك مجموعة كبيرة من القطع الأثرية التي نتجت عن حفريات غير قانونية يقوم بها لصوص يسمون “لصوص آثار”، ويتحصلون على مجموعة من المقتنيات ويتم تهريبها، وهذه لم نعرفها إلا عندما وصلت إلى أوروبا، ونعرف أن هناك المئات من المنحوتات وصلت حتى قبل عام 2011 إلى أسواق الفن والمزادات في أوروبا وأمريكا، ولكن أغلبها الآن رصدت، أما عدد المنحوتات فلم نتمكن من التعرف عليه ، لافتا إلى أن هناك أنواع من المقتنيات لا تختلف في العصر الروماني أو العصر الإغريقي عن مثيلاتها في مصر أو تونس، على سبيل المثال العملات الرومانية هي عملة واحدة، إذا نحن من حيث العدد لا نملك عددًا دقيقًا، نستطيع تقديره وفق الأرقام التي ذكرتها وتقديرها بالآلاف.

- قاعدة بيانات

وقال نحن لا نملك قاعدة بيانات متكاملة موحدة ومحدثة، هناك محاولة من قبل مصلحة الآثار في ليبيا، لديها مكتب خاص بالآثار المسروقة والمهجرة وقامت بعمل قاعدة بيانات لكنها ما زالت في البداية ولم تستطع أن تحصر جميع ما سرق، وهذا يحتاج إلى جهد كبير، وإلى الكثير من العمل، كمادة أثرية أو تجميع للآثار المنهوبة. هناك الكثير من الأعمال التي أقيمت وعلى المستوى الشخصي عملت في هذا الجانب منذ سنوات.

- المواقع والقطع الأثرية الأكثر عرضة للسرقة

وولفت إلى أن برقة، قوريني، صبراتة، لبدة وغيرها، ونستطيع القول إن أغلب المواقع الأثرية عرضة للسرقة والنهب للعديد من الأسباب، منها عدم وجود الإمكانيات للشرطة السياحية بحيث تغطي جميع المناطق السياحية.

وأوضح أن هذا الجهاز هو الذي يأتي على عاتقه منذ عام 2007، أو حتى قبل ذلك، حراسة المواقع الأثرية، ونتيجة لقلة الإمكانات لم يستطع هذا الجهاز أن يسيطر على المواقع الأثرية، وأيضا إشكالية المواقع الأثرية المترامية الأطراف.

وقال في ليبيا مواقع عديدة غنية بالآثار، موزعة جغرافيا في كل مكان، وهناك صعوبة في السيطرة عليها، وتحتاج إلى إمكانيات وإلى مراقبة إلكترونية وغيرها من هذه الأشياء، ولا أريد أن أحدد موقعا بعينه، لكن هناك مواقع لم ينقب فيها بعد، وغنية بمختلف القطع الأثرية في مدينة قورينا، على سبيل المثال مدينة شحاتة الأثرية، يحدث فيها الكثير من الانتهاكات ، ولا أريد أن أحدد مدينة، وخاصة المقابر الموجودة سواء في المدن أو القرى، توجد في بعض المواقع الأثرية الصغيرة مقابر، وهي عرضة للسرقة، ومن يقوم بالسرقة يعلم بوجود الآثار ووجود التماثيل في المقابر، خاصة الآثار المتكاملة أي بأشكالها المتكاملة.

وبذلك نستطيع القول إن المدن الرئيسة عرضة للسرقة مثل قوريني، شحات، توكرة، طلميثة، ومواقع أخرى، وعندما نريد أن نتحدث عنها بهذا الشكل، نحن أحيانًا لا نجد أو لا نعرف الآثار التي نهبت، نجد بقاياها وبقايا الحفر فقط.

- مقتنيات و آثار بالحفريات

وأشار إلى أنه أحيانا ينقب أي شخص ولكن لا يعثر على شيء مفيد، نستطيع القول إن جميع المواقع الأثرية هي عرضة للسرقة والنهب والتخريب، القطع الأثرية الأكثر عرضة للسرقة هي القطع الأكثر قيمة مادية التي يمكن نهبها وتهجيرها وتهريبها حتى يمكن جني بعض الأموال، ولا أريد التحدث عن النوعية التي تسرق حتى لا أفتح المجال للمهربين والسراق للبحث عن مثل هذه الأشياء ، ولكن بصورة عامة، أقول إن من يسرق الآثار، وخاصة الذي ينقب، فهو يحاول قدر الإمكان أن يعبث، وأن يتحصل على أي شيء، سواء عملات أو أواني فخارية، تماثيل فخارية، أو أي شيء منقول، لكن على سبيل المثال الفسيفساء من الصعب أن يتحصل على أرضية فسيفسائية، فهي أرضية ثابتة أصلا ومن الصعب تحريكها أو نقلها إلا بطريقة فنية يعرفها خبراء الآثار، لكنها سهلة التخريب للأسف.

وأوضح أنه بالرغم من ذلك فقد قبضت إسبانيا على مجموعة من سراق الآثار، وعرضت مجموعة من فسيفساء أرضية وأجزاء من الأرضيات الفسيفسائية، وذكرت أنها من ليبيا، وأنا شخصيا أستبعد ذلك.

وقال إن السرقة تشمل بصورة عامة جميع المقتنيات الأثرية المتنوعة التي ترجع أكثر شيء إلى الحضارة الإغريقية، أي المدن الإغريقية في ليبيا والمدن الأثرية الرومانية أيضًا ، ونحن نعرف أن الإغريق أسسوا المستوطنات في ليبيا وخاصة المنطقة الشرقية، والرومان أسسوا أيضا مستوطنات في المنطقتين الشرقية والغربية، وكذلك الفينيقيين والجرمنت، وهي تسمى حضارات كلاسيكية ، مشيرا إلى أن هناك أكثر إقبالا على سرقة مقتنيات هذه الحضارة، وهي مقتنيات منوعة، نشير إلى النقوش والنصوص، هذه أيضا عبارة عن كتل، من الصعب نقلها، لكن قد تكون هناك كتابات أخرى ظهرت في الفترة السابقة، تهريب وثائق، كتب اللغة العبرية مأخوذة من عدة أماكن في المنطقة الغربية، يقال إنها ربما تكون أثرية وأصلية، وقبض على البعض من هذه القطع المنقوشة، وهي تُهرب كلفائف منقوشة بالتوراة وغيره من الأشياء، مكتوب باللغة العبرية في محاولة لتهريبها إلى تونس.

- سرقة الآثار وكتابة التاريخ

وشدد على أن السرقة سواء كانت منظمة أو غير منظمة، فهي انتهاك للمواقع الأثرية وتدمير لها، لأن أي موقع أثري يحتاج عند التنقيب إلى متخصص في علم الآثار يستطيع أن ينقب على هذا الموقع ، فالتنقيب وسيلة للوصول إلى المقتنيات الأثرية في الموقع الأثري، وإلى الآثار حتى يتم تصنيفها أولا ثم يتم تفسيرها لمعرفة هذا الموقع، ماهية هذا الموقع؟ هل هو معبد؟ هل هو مقبرة؟ وإلى أي فترة يرجع؟ فمن خلال المقتنيات أي وجود فخار، مصابيح، عملات، نقوش، وغيرها من هذه الأشياء، يمكن أن تعطينا دليلا على تاريخ هذا الموقع.

وأكد خبير الآثار، عضو هيئة التدريس بقسم الآثار جامعة بنغازي خالد الهدار أن علم الآثار يعد علم الحفريات، لأن الحفريات هي الوسيلة، فمثل القول إن التاريخ هو علم الوثائق، فالأثار هي علم الحفريات، وهي الوسيلة للوصول لهذه المادة الأثرية، وهذا الدليل الأثري ، ومن المؤكد أيضا أن ضياع هذه النوعية والمقتنيات أو الوصول إليها بطريقة سلبية هو تدمير للموقع الأثري، لأن علم الآثار لديه منهجية في الحفريات، وهذه المنهجية تؤمن الوصول إلى المادة العلمية بطريقة علمية صحيحة، حتى يتم تصنيفها، ثم تفسيرها وقراءتها، ومن ثم قراءة الموقع، فإن ضياع أي قطعة من القطع هو ضياع جزء من التاريخ، جزء من تاريخنا، جزء من فهمنا، لأن أحياناً سراق الآثار وغيرهم قد يصلون إلى أي موقع أثري، ويعبثون به، وهي مواد أثرية قد تغير فهم لتاريخ ليبيا، فهم لتاريخ الأحداث، فهم لتاريخ موقع معين ، مشددا على أن ضياع هذه الأدلة أمر له خطورته على التاريخ، فهذه الأدلة المادية المباشرة هي التي يعتمد عليها، فهي الدليل المادي لإثبات فهم الموقع، وإثبات تاريخ، وإثبات ماهية الموقع.

كما أكد على أن أعمال التدمير وأعمال الحفريات ونقل القطع وتهريبها وسرقتها هي سرقة التاريخ، سرقة الهوية، سرقة جزء من تاريخنا، ونحن دائماً نقول عندما تضيع هذه الأشياء، فلا يمكن استردادها من جديد.

فعندما نتحدث عن الذين عندهم حسن النية، شخص عثر بالمصادفة، أو يبحث في أرضه في مزرعته في مكان معين، وصادف قطعة أثرية أو صادفه قبر من القبور القديمة، ووجد بها مقتنيات ، وكثير من الأحيان نصادف عندهم حسن نية، ويقوم هؤلاء بجمع هذه الأشياء، ويتم تسليمها للجهات المختصة، وهي مصلحة الآثار عن طريق الشرطة السياحية لمراقبة آثار أو لمكاتب الآثار.

ولفت إلى أن هؤلاء فعلا عندهم حسن نية سلموها، ولكن هذه قطع نحن نعتبرها فقدت قيمتها أيضا، لماذا فقدت قيمتها؟ لأنها استخرجت بطريقة غير قانونية، ليس قانونية فقط، بل بطريقة غير علمية ومن قبل شخص غير مختص، يعني ضياع القطعة في حد ذاته ضياع المعلومات، لأن هناك معلومات يجب أن يأخذها المختص داخل الموقع عند الكشف عنه، وحتى المكان الذي جاء منه بهذه القطع يعطي ويعكس معلومات تاريخية ومعلومات أثرية مهمة جداً ، ونوجه نصيحة إلى أي شخص لديه حسن نية ويتحصل على آثار بالمصادفة وغيره، يجب أن يبلغ الجهة المختصة وهي التي تقوم بالعمل اللازم والتنقيب بطريقة علمية، واكتساب المعلومات للقطع عندما تكون في مكانها.

إذا سرقة أي قطعة أثرية من مختلف المواقع الأثرية تؤثر تأثيرا كبيرا في إعادة كتابة التاريخ، نحن نعرف أن تاريخنا متعدد الحضارات، فقد مرت بليبيا حضارات متعددة، حضارات منذ عصور ما قبل التاريخ، منذ آلاف السنين، مرورا بالمواقع الأثرية الإغريقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية أيضا، هذه المواقع تتعرض للسرقة وهي حضارات متنوعة، وأيضا مواقع الجرمنت والقبائل الليبية الأخرى ، ونحن عندما نتحدث عن المواقع الإغريقية والرومانية وغيرها، نؤكد إن الليبيين كانوا مساهمين في هذه الحضارات، فهم أصحاب الأرض، ولم يكونوا غائبين عن هذه الحضارات، بل متواجدين بقوة، ولديهم حضارة ممتدة، فقد عاصروا الإغريق، وعاصروا الرومان، وعاصروا الفينيقيين أيضا، وغيرهم.

- الشبكات الإجرامية المنظمة

وحول من هم الفاعلون الرئيسيون وراء سرقة الآثار في ليبيا؟ هل هم مجموعات محلية منظمة أم شبكات إجرامية عابرة للحدود؟ قال هذا سؤال صعب، ومن الصعب أيضاً الإجابة عليه، قد نعرف من وراء سرقة الآثار، لكنها في الواقع مجرد تكهنات، أو أحيانا من خلال القبض على من يملكون آثارا مسروقة في ليبيا ، ونقول هنا إن العنصر المحلي، أي السكان المحليين، كان لهم دور في هذه الناحية، على سبيل المثال أحد السكان يعثر بالمصادفة على المجوهرات أو قطع أثرية في مزرعته، تماثيل، يحصل على بعض قطع فخار ومن الممكن أن يكون قد فتح مقبرة بالمصادفة، هذه القطع يتم المحافظة عليها، ويرى أن قيمتها المادية جيدة ويمكن بيعها إلى أناس مهتمين بها، أناس يهربونها إلى الخارج، أي نحن نعتبر دولة المنشأ لهذه الآثار، وهناك دولة عبور، قد تكون مصر، قد تكون تونس، قد تكون أي دولة أخرى، دول الخليج مثلا، وهنا نتحدث بحقائق، ومن دول العبور هذه تصل إلى مراكز الفن والبيع في أوروبا وفي أمريكا، ولكن أيضاً نتحدث عن أناس مهربين قد يكونون من جنسيات أخرى.

ولفت إلى أن سرقة الآثار لم تكن قبل عام 1989م منتشرة في ليبيا في العصر الحديث والمعاصر، ولكن بعد فتح الحدود بقرار سياسي بين ليبيا ومصر، والحدود بين ليبيا وتونس، ودخول الكثير من مواطني دول الجوار، هذا أدى إلى السرقات، لأننا نعرف أن السرقات بدأت بعد العام 1989 وفيها سرقت أغلب المتاحف مزامنة مع فتح الحدود ، متسائلا لماذا لم تسرق قبل ذلك؟ هذا يؤكد وجود العنصر الأجنبي، لأنه في الواقع هناك عصابات عالمية وشبكات إجرامية تقوم بالسرقة، وهي مهتمة بسرقة الآثار في مواقع العالم المختلفة، وبالتأكيد من ضمنها ليبيا ، وكذلك بعد عام 2011 لم يكن في ليبيا أمن خاص بالآثار، ونقول هذا بسبب الأحداث في فبراير، فهذه الأشياء إن قل الأمن أو فلنقل انعدم في سنوات معينة، فتح المجال للسرقات من قبل سراق الآثار والشبكات الإجرامية المنظمة.

وشدد على سرقة الآثار تعد ثاني أكبر السرقات ومن أكبر الجرائم في العالم، بعد المواد المخدرة والحشيش وغيره، لأن هناك أيضا منظمات إرهابية وغيرها استعملت الآثار، نتحدث هنا بصورة عامة، ولا أخصص، ولكن هذا موجود.

فقد قبض على مجموعة أفراد محليين يقومون بالسرقة، لأن البعض منهم يعيش قرب المواقع الأثرية، ويصادف عثوره على هذه الآثار فيسرقها سواء بشكل مباشر أو متعمد، ويؤثر عليها ثم يبيعها. طبعا من أسباب بيعهم لهذه الآثار الأوضاع الاقتصادية، وأيضا الأوضاع السياسية، وتم استغلال هذه الأوضاع من قبل الشبكات الإجرامية المنظمة، بحيث يتم التهريب عندما لا تكون الحدود غير مسيطرة عليها، فيسهل التهريب.

وقال إن العلاقة بين شبكات تهريب الآثار والأنشطة الإجرامية الأخرى موجودة بالفعل، وهذا ليس على المستوى المحلي فقط، لأنها ظاهرة، فتجارة الآثار غير مشروعة، ظاهرة عالمية ارتبطت بتهريب الأسلحة، وبتمويل الجماعات المسلحة أيضاً، وارتبطت بها ارتباطا كبيرا ، مبينا أن هناك أدلة، وهناك أجهزة شرطية عالمية تتبع هذه الموضوعات ، أما الطرق التي تستخدمها شبكات التهريب لنقل الآثار المسروقة خارج ليبيا فهي مختلفة ومتشعبة وعبر جميع المسارات برا وبحراً وجواً، فالاحتفاظ بالآثار داخل ليبيا لا قيمة لها من الناحية المادية، فقيمتها أكثر لو هُربت، وهذا ما يعتقده جميع السراق.

وأضاف عندما نتحدث عن التهريب، هذا الشيء قائم لأن واقعنا انعدم فيه الأمن، ولا توجد رقابة. نحن نسعى أن تكون لدينا أجهزة أمنية معنية بالآثار أو تهتم بها، أو حتى لديها معلومات حول الآثار لتحد من سرقتها ومن تهريبها، لأن رجل الأمن سواء على المنافذ أو الجمارك وغيرها من الجهات الأخرى هو المسؤول ، والواقع يجب أن تكون لهذه الجهات دراية بهذه المقتنيات، حتى لا تهرب، رجل الأمن لا يفهم هذه القطع الأثرية التي وجدها مع سارقها فتخرج بشكل عادي، وهذه مشكلة نعاني منها دائما، فنحن نحتاج في الواقع إلى توعية، وبدأنا منذ سنوات لتوعية رجال الأمن والجمارك ورجال المنافذ المختلفة، حتى نستطيع إيقاف أعمال التهريب. هناك شبكات تهريب لها دراية بالطرق التي يمكن من خلالها تهريب هذه القطع عن طريق دول العبور العديدة، منها مصر التي ينتقل عنها إلى الكيان الصهيوني ثم الانتقال إلى الأسواق العالمية، وهناك حالات أخرى، فمثلاً عُثر منذ عدة سنوات على حاوية في ميناء دمياط متجهة إلى بانكوك، وبها الكثير من القطع الأثرية منها قطع من ليبيا، كما قبض الانتربول الدولي على قطع أثرية وصلت إلى أوروبا من جهة بعض دول الخليج، وكانت ليبيا هي المصدر وهكذا.

إذن التهريب على مستوى العالم، وعلينا أن نسيطر على حدودنا برا وبحرا وجوا حتى نمنعه، وهناك خطوات كبيرة جدا في هذا السياق، ومن الجدير بالقول إن دولتي العبور مصر وتونس تمكنتا في عديد المرات من الإمساك بقطع أثرية كانت معدة للتهريب وقبض عليها في الحدود، لكن هذه القطع الأثرية ما زالت موجودة في دولتي مصر وتونس ونحتاج إلى إعادتها، ويجب أن تُعاد إلى ليبيا. الجميع يعرف أن طول حدود ليبيا حوالي 4000 كم ومن الصعب السيطرة عليها، لكن يجب أن نتوقع الحذر ونحمي هذه الآثار من السرقة عن طريق الجهات الأمنية المختصة، لأن القطع عندما تسرق وتهرب من الصعب جدا إعادتها.

- القطع الأثرية في المزادات الخاصة

هذه قضية كبيرة وحتى منظمة اليونسكو المهتمة بالآثار، التي لديها اتفاقية 1970 حول التهريب غير المشروع للآثار، هناك إشكالية فيها. فهناك دول مثل ليبيا تمنع بيع الآثار وتداولها للتجارة، بينما في كثير من دول العالم في أوروبا وأمريكا مثلا يسمح ببيعها ومرخص فيها للمكاتب ببيعها وإقامة المزادات ويعلن عنها كذلك، ولكن الآن وبفضل الجهود العالمية لمنع التهريب، هناك قيود كثيرة قبل بيع أو شراء أي قطعة أثرية، فيجب التحقق من هذه القطعة غير مسروقة، وعند عرضها للبيع توقف فورا من قبل الجهات المسؤولة، وأصبحت لها قوانين خاصة، عكس السابق لم تكن هناك أي قوانين، أيضا البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي والترويج لها أصبح له قوانينه الخاصة.

لدينا قطع أثرية سرقت منذ عشرات السنين لم تظهر في العالم إلى الآن، لأن ظهورها يستوجب إيقافها فهي مسجلة في قاعدة بيانات الانتربول باسم ليبيا، ويمكن متابعتها عند ظهورها في الأسواق، ولدينا العديد من القطع التي تم الإبلاغ عنها عند ظهورها في المزادات وتم إيقاف بيعها واستُعيدت، ولكن المشكلة لدينا فالقطع المسروقة والغير مسجلة باسم ليبيا، هذه القطع ستظهر وتباع ومن الصعب أو الأصح من المستحيل استعادتها لأننا لا نستطيع إثبات أنها من ليبيا، ونستثني هنا بعض التماثيل الجنائزية الإغريقية من قوريني شحات فهي معروفة وعن طريق الطراز وليس إثبات الملكية نستطيع إرجاعها، والواقع أن هناك متاهات صعبة جداً دولياً لاسترجاع الآثار المسروقة على مستوى العالم.

- الاتفاقيات الدولية

في محاولات لاستعادة الآثار، وقعت ليبيا عدة اتفاقيات من بينها اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقعت عام 2018م وجددت أخيرا، وهي جيدة جداً، فمن خلالها تم استعادة مجموعة من الآثار المسروقة في أمريكا.

كذلك قامت مصلحة الآثار بالعمل على تمثال فرعوني صغير يرجع للقرن الثالث قبل الميلاد، نهب من طلميثة أبان الحرب العالمية الثانية، وموجود في متحف كليفيلاند في أمريكا، وتمت الموافقة على إرجاعه بعد سنوات.

وهناك تمثال جنائزي عُثر عليه في بريطانيا، وبحكم المحكمة استلمته ليبيا عن طريق السفارة الليبية هناك، وهو موجود فيها. وأيضا في فرنسا مجموعة من القطع حكمت المحكمة بعودة جزء منها إلى ليبيا، وما زالت المحكمة تنظر في الجزء الباقي لاسترجاعه.

وهناك أمثلة عديدة لقطع أثرية تم استرجاعها. كذلك في النمسا، هناك تمثال لسيدة أو فتاة سرق في الحرب العالمية الثانية من متحف سوسة، وتم استرجاعه طواعية عند معرفة مكانه الأصلي في ليبيا، واحتُفل في المدة الماضية بعودته في سوسة. وفي 2005 تم استعادة بعض القطع من ألمانيا وسويسرا، والتي نُهبت من كنز بنغازي في التسعينات، وفي العام 2012 استلمت ليبيا رأس ابنة أحد الأباطرة (دوميتيلا) الذي كان مسروقاً من صبراتة منذ العام 1989م.

وكان لنا شخصيا دور كبير سواء في استرجاع الآثار أو في التبليغ عنها وإيقاف بيعها عند عرضها للبيع في الأسواق الدولية، وذلك بإعداد التقارير الفنية عليها. ويجب أن نشير هنا إلى العمل الذي قامت به البعثة الفرنسية عن طريق الشاب (مورغن)، والذي كانت رسالة الدكتوراه الخاصة به هي مسح الآثار الليبية المسروقة والموجودة في المزادات العالمية، وهو عمل كبير ومجهود عظيم يُحسب له وللبعثة الفرنسية، لكن المشكلة كانت عدم التبليغ عليها، وكذلك في عدم تسجيلها.

- آثارنا بالكامل

قبل السرقة، يجب أن نمنع حدوث هذه السرقة، وهناك جهات عديدة من مصلحة الآثار وهي قانونا المكلفة بحماية الآثار. والحماية تبدأ قبل عرض القطعة ووضعها في المخزن، فيجب أولا أن تُسجل وأن تُوضع لها البطاقة الشخصية ID، أي عندما تسرق هذه القطعة، نستطيع استعادتها من خلال هذه البطاقة. والعالم يطالب بهذا التسجيل كصك ملكية لهذه القطعة، وهذا ما نفتقده في كثير من الأحيان أو افتقدناه في سنوات سابقة.

ومصلحة الآثار عليها أن تعمل لأن هذه مشاريع ضخمة من التسجيل وغيره، وإلى الآن لم ينته التسجيل، للأسف، لا يوجد لدينا سجل وطني للمقتنيات الأثرية، وحتى الآن لا نعرف ما هي آثارنا بالكامل.

زيادة الوعي للمواطن هو المعول عليه، فنحن نعاني من عدم فهمه لتأثير الآثار على تاريخه، ويجب عليه حمايتها لعلاقتها بالهوية، بصورة عامة، يجب الاهتمام والتوعية بأهمية الآثار والموروث الثقافي، كما يجب دمج هذا التراث في المناهج التعليمية والتربوية، ودراسة التاريخ والآثار من بداية المرحلة المتوسطة حتى يكون الطالب على دراية بأهمية الآثار وعدم التفريط فيها وسرقتها وتهريبها.

نحن بحاجة إلى التوعية وكتب بأهمية الآثار، حتى رجل الأمن يجب أن يعرف هذه الآثار وأهميتها وماهيتها، حتى يمنع تهريبها، والإعلام دوره كبير في التوعية، على سبيل المثال الإذاعات المحلية يجب التعاون معها، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أن يكون هناك تعاون مع المجتمع المحلي، وأن توضع الجوائز وتقدم المكافآت المالية لمن يرشد على سراق الآثار.

- كنز بنغازي المفقود:

القصة الكاملة كما رواها الهدار:

- البداية

يعود أصل ما يعرف بـ “كنز بنغازي” إلى عام 1961، حين وضعت مصلحة الآثار الليبية وديعة ثمينة من القطع الأثرية في البنك المركزي الليبي (الذي أصبح لاحقاً المصرف التجاري الوطني بشارع جمال عبد الناصر في بنغازي)، ظل الكنز محفوظا داخل خزائن المصرف لمدة 50 عاما.

يضم الكنز أكثر من 10 آلاف قطعة أثرية، من بينها: عملات إغريقية، رومانية، هيلينية، بيزنطية، وإسلامية، كذلك مقتنيات أخرى ذات قيمة أثرية وتاريخية كبيرة.

معظم هذه القطع غير مدروسة أو موثقة علميا، إذ كانت ثمرة أعمال الحفريات التي أجرتها البعثات الأثرية الإيطالية منذ عام 1912 وحتى 1943، في مدن مثل بنغازي وشحات وطلميثة ولبدة وصبراتة ومدينة ودان وغيرها من المدن الأثرية الليبية.

- كنز ليبيا

سمي بكنز بنغازي لأنه سرق منها، ولكنه مسجل في الأرشيف الإيطالي باسم “كنز ليبيا”، لأن محتوياته جمعت من مختلف المدن الليبية، فعلى سبيل المثال يحوي على أكثر من 600 قطعة نقدية من طرابلس وضواحيها، وكنز ودّان الذهبي، وقد صنف الكنز إلى أقسام: منها وديعة مراقبة آثار شحات، وكنز مراقبة آثار بنغازي (يضم نحو 2000 قطعة أثرية).

-رحلة الكنز عبر الزمن

جمعت القطع خلال فترة الاحتلال الإيطالي بناء على أوامر الحاكم العسكري الإيطالي جريسياني، ونقل الكنز من المدن الشرقية إلى مدينة لبدة الأثرية، ثم إلى طرابلس، وفي عام 1942 نقلته السلطات الإيطالية إلى إيطاليا عبر سفينة تحمل جرحى خلال الحرب العالمية الثانية، وبقي الكنز في إيطاليا لمدة 18 عاماً، ووثق رسميا أربع مرات حيث كان يجرد وينقل من مدينة إلى أخرى ويتم تدوين ووصف القطع دون تصويرها، ما عدا 500 قطعة درست أكاديميا من 10.000 قطعة، ثم عاد الكنز إلى ليبيا عام 1961 بعد اتفاقية ليبية-إيطالية، واستلمه رئيس مصلحة الآثار آنذاك الأستاذ أبوبكر ابحيح، وقسم الكنز إلى قسمين: جزء في طرابلس وجزء نقل إلى بنغازي (بسبب النظام الفيدرالي في ذلك الوقت).

- السرقة الكبرى

سرقة كنز بنغازي كانت على مرحلتين: الأولى (2011): خلال أحداث ثورة 17 فبراير، سرق جزء كبير من الكنز من المصرف التجاري الوطني في بنغازي، وتمت السرقة بطريقة انتقائية، حيث اختيرت بعض القطع، وبقي نحو 2000 قطعة فقط، أما الثانية (2017): نُقلت القطع المتبقية إلى مكان خاص قرب منارة سيدي خريبيش بهدف حمايتها، لكنها سرقت مجددا، بعدها، تنصلت إدارة المصرف من المسؤولية، مدعية أنها لا تعلم ما تحويه الصناديق الموجودة في عهدتها.

- النتائج اللاحقة

أكّد الدكتور الهدار أن بعض العملات الأثرية المسروقة ظهرت لاحقا في مزادات أوروبية ومعروضة للبيع، مما يدل على تسربها إلى السوق السوداء العالمية للآثار، وذكريات حادثة ضبط شخص مصري على الحدود الليبية-المصرية بحوزته 103 من العملات الذهبية الأثرية، وتمثل مصنوعا من الذهب الخالص، وذهبت برفقة وفد من خبراء الآثار لمتابعة الضبطية، ولكن للأسف لم نتمكن من الاطلاع على المسروقات، وتحفظت عليها الدولة المصرية ولم نعرف مصيرها إلى الآن.

- الكتاب التوثيقي

قام الهدار بتأليف كتاب من 280 صفحة بعنوان “كنز بنغازي المفقود”، وثق فيه رحلة الكنز منذ جمعه وحتى سرقته، مستندا إلى وثائق رسمية إيطالية ووثائق ليبية حكومية، وتتبع دقيق لحركة الكنز بين المدن الليبية والإيطالية، سيصدر قريبا الكتاب، وحاول حصر القطع الأثرية المسروقة والمهجرة، وفيه قوائم بتلك الآثار.

وتعتبر حادثة سرقة كنز بنغازي الأثري واحدة من أكبر عمليات سرقة الآثار في تاريخ العالم الحديث، وكشفت ضعف نظم حماية المقتنيات الثقافية أثناء الاضطرابات، كما سلّطت الضوء على الإرث الأثري الغني لليبيا وأهمية توثيقه علميا.

- سرقة وتهريب الآثار تاريخ ومعاناة مستمرة

بدوره أفاد خبير الآثار ورئيس جهاز إدارة المدن التاريخية سابقاً، ومدير إدارة الشؤون الفنية بمصلحة الآثار الليبية نويجي العرفي، بإن ظاهرة سرقة وتهريب الآثار في ليبيا تعد قضية قديمة وليست وليدة العصر الحديث، إذ تعود جذورها إلى عهود سابقة، منها ما حدث في العهد العثماني الثاني، حيث أثبتت بعض الدراسات التاريخية وقوع عمليات نهب للآثار خلال تلك الفترة.

وأوضح " نويجي العرفي " في حديثة لصحيفة الأنباء الليبية أنه في العهد الإيطالي شهدت البلاد سرقات ممنهجة للقطع الأثرية أثناء الحفريات التي قام بها الاحتلال الإيطالي، وللأسف لم تكن تلك الحفريات ذات أهداف علمية بحتة، بل كان دافعها الأساسي إثبات الوجود المادي لإيطاليا في ليبيا واعتبارها “الشاطئ الرابع” لها كما تزعم.

- الواقع الحالي: نبش عشوائي واتجار غير مشروع

واستطرد نويجي: أما في الوقت الحاضر، فقد انتشرت عمليات النبش العشوائي التي يقوم بها بعض المواطنون بحثا عن القطع الأثرية، أو العثور عليها عن طريق الصدفة والاتجار بها، بعد أن وجدوا لها سوقا رائجة، يدفع فيها المشترون مبالغ كبيرة، وهذا شجع ضعاف النفوس على البحث والتنقيب غير المشروع، دون إدراك قيمة هذه الآثار التاريخية والحضارية ، مبينا أنه على الرغم من عدم وجود دلائل مؤكدة على وجود شبكات دولية منظمة لتهريب الآثار الليبية، إلا أن التجارة غير القانونية بالقطع الأثرية قائمة فعلاً، وتشهد نشاطاً ملحوظاً في بعض مناطق شرق البلاد وغربها.

وبين خبير الآثار نويجي العرفي أن أغلب عمليات تهريب الآثار تتم عبر الحدود البرية، ومن ثم تهرّب عن طريق البحر، ففي عام 2018 ضبطت مجموعة من القطع الأثرية المسروقة داخل حاوية في ميناء الخمس كانت مجهزة لتهريبها إلى أوروبا، كما يستخدم بعض المهربين قوارب مشابهة لقوارب تهريب المهاجرين لإخراج الآثار خارج البلاد.

وفي بعض الأحيان تصل إلى ليبيا قطع أثرية أجنبية، كما تمكن المختصون الليبيون من استعادة عدد من القطع الأثرية الليبية التي عرضت في قاعات مزادات عالمية، بفضل جهود خبراء الآثار الليبيين الذين تتبعوا مسار هذه القطع في الخارج.

- قانون الآثار نصوص متقدمة وعقوبات ضعيفة

تناول العرفي القانون رقم (3) لسنة 1994 بشأن حماية الآثار والمتاحف والمدن القديمة والمباني التاريخية بالقول: فعلا يعد من القوانين المتقدمة من حيث التنظيم الإداري والتعريفات والإجراءات الخاصة بالحفاظ على الآثار، لكنه يعاني من قصور واضح في جانب العقوبات، خصوصا إذا قورن بما يجري من تهريب وسرقة وتخريب للآثار خلال العقود الماضية.

اللائحة التنفيذية الصادرة عام 1995 فصّلت مهام الجهات المختصة، لكنها لم تعالج جوهر المشكلة، وهو ضعف الردع القانوني، فالعقوبات الواردة والتي غالبا لا تتجاوز الحبس البسيط أو الغرامة المحدودة لا تتناسب مع حجم الضرر الثقافي والاقتصادي الناتج عن المساس بالآثار.

قدّمت مصلحة الآثار كما ذكرت عدة مقترحات لتعديل هذا القانون، خاصة بعد تزايد الاعتداءات والتهريب، وركزت على تشديد العقوبات لتصل إلى السجن لمدد طويلة والغرامات الكبيرة، وتجريم المشاركة غير المباشرة (مثل التستر أو البيع أو الوساطة)، وتوسيع صلاحيات الضبط القضائي لمفتشي الآثار، وتعزيز التعاون الدولي لاستعادة القطع المهربة.

- الشرطة السياحية وحماية الآثار

من جانبه أوضح مدير إدارة فروع جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار لواء فوزي ونيس الحاسي، أن القانون الذي يجرم التعدي على المواقع الأثرية هو القانون رقم (3) لسنة 1995، وهو قانون ما يزال ساري المفعول حتى اليوم، ومرّ هذا القانون بعدة مراحل، فقد صدر عام 1953، وعُدل في عام 1967، ثم عدل مرة أخرى عام 1984، ليأتي آخر تعديل للقانون في العام 1995 ، معربا عن أسفه من أن بند العقوبات في هذا القانون لا يتناسب مع حجم وخطورة الجرائم التي ترتكب ضد المواقع الأثرية، ولا يرقى إلى مستوى الجناية أو الجنحة، كما أوضح أن المشرع الليبي أغفل أهم جريمتين في هذا المجال، وهما السرقة والتهريب، معتبرا أن ضعف النصوص العقابية هو السبب الأساسي لتمادي سارقي الآثار.

- واقع حماية المواقع الأثرية

يضيف الحاسي أن ليبيا تتمتع بإرث حضاري وتاريخي ضخم، إذ لا تكاد تخلو منطقة في الجبل الأخضر من موقع أثري، لكن اتساع المساحة الجغرافية وغياب الدعم الفعلي للجهاز المختص بالحماية، المتمثل في الشرطة السياحية وحماية الآثار، يشكلان عائقين كبيرين أمام جهود الحماية ، كما أن الجهاز يعاني من نقص في العناصر البشرية المدربة والآليات والمعدات اللازمة للحد من الحفريات غير النظامية ومنع الانتهاكات في المواقع الأثرية.

وعن آلية التعامل مع البلاغات أوضح أنه فور ورود بلاغ عن انتهاك أو تعد على موقع أثري، يتم الانتقال الفوري إلى الموقع للمعاينة، ثم فتح محضر بالواقعة وجمع الاستدلالات، وفي حال ضبط الجناة تُتخذ الإجراءات القانونية بحقهم وتحالهم إلى النيابة العامة، أما إذا كان الفاعل مجهول الهوية فيفتح محضر تحر وجمع استدلالات.

وأشار إلى غياب التقنيات الحديثة مثل أنظمة المراقبة والكاميرات أو الدوريات الدائمة في المواقع الأثرية، إذ يقتصر وجود الكاميرات على المتاحف فقط.

- التعامل مع المواطنين والمواقع المحمية

أكد الحاسي أن الجهاز يتعامل بجدية كاملة مع البلاغات الواردة من المواطنين أو السياح حول أي نشاط مشبوه قرب المواقع الأثرية، أما المواقع المسيجة والمتاحف والمخازن، فهي تخضع لحراسة مشددة من خلال مكاتب ونقاط تابعة للجهاز تعمل بالتناوب، ولم تسجل أي حالات اعتداء عليها حتى الآن.

بينما تكثر البلاغات غالبا على المواقع الأثرية الواقعة داخل المزارع أو الأراضي الخاصة، التي يتطلب دخولها إذنا من النيابة العامة، كما أن هناك بلاغات عن انتهاكات في مناطق نائية يصعب الوصول إليها كما قلت بسبب نقص الإمكانيات المادية واللوجستية.

- التعاون الدولي

أوضح لواء فوزي ونيس الحاسي أن التعامل مع القطع الأثرية المضبوطة يتم بالتعاون مع باحثين أثريين متخصصين من مصلحة الآثار، حيث تحال إليهم القطع للفحص والتوثيق. ورغم عقد دورات تدريبية محلية ودولية لأعضاء الشرطة السياحية حول كيفية التعامل مع القطع الأثرية، إلا أنه غالباً ما يتم استدعاء خبراء من مصلحة الآثار لزيادة الدقة في الإجراءات.

أما عن التعاون الدولي، فقد أكد أن ليبيا كانت تتعاون سابقا مع الإنتربول والمنظمات الدولية لمكافحة تهريب الآثار، خاصة قبل ثورة 17 فبراير، من خلال الاشتراك في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، أما اليوم فقد اقتصر التعاون على الجانب التدريبي والحفريات العلمية فقط.

- التحديات الراهنة

واختتم مدير إدارة فروع جهاز الشرطة السياحية حديثه بالاشارة إلى أن أكبر التحديات التي تواجه حماية الآثار في ليبيا هي: اتساع رقعة البلاد وضخامة المساحة الجغرافية، وقلة الإمكانيات والدعم المادي واللوجستي، كذلك عدم تفعيل جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار بالشكل المطلوب، وضعف العقوبات القانونية بحق مرتكبي جرائم سرقة وتهريب الآثار، واعتماد الدولة على النفط كمصدر رئيسي للدخل وإهمالها لقطاعي السياحة والآثار، وأيضا غياب برامج التوعية المجتمعية، مع ضعف الاهتمام بالاستثمار السياحي المستدام، وقلة الوعي الثقافي لدى بعض المسؤولين بأهمية الموروث الحضاري الليبي.

- الآثار المسروقة

هذه الآثار ليست دعاة للمتعة البصرية فحسب، بل رسل من ماض تليد، يحملون في طياتهم حكايات المجد والاندثار، ويذكروننا بأن كل قطعة مسروقة هي جرح نازف في جسد بلادنا.

آثارنا المسروقة ليست مجرد حجارة منحوتة أو تماثيل باهتة، بل هي شواهد على أمجاد سطرتها حضارات رحلت، وأسرار ممالك اختزنتها رموز على جدران معابدها، فليست القيمة في بريق الذهب أو ندرة الحجر، بل في تلك الروح التي تربط الماضي بالحاضر، وتجعل من الحجر ناطقا باسم الأجداد، وشاهدا على عظمة شعب، وضحية لطمع الغرباء.

(وال )