في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف : ليبيا من أكثر الدول عرضة لخطر التصحر في شمال أفريقيا.
نشر بتاريخ:
تقرير : هدى الشيخي
بنغازي 17 يونيو 2025 م (وال) – يصادف اليوم الثلاثاء السابع عشر من يونيو من كل عام، اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف ، كمناسبة دولية يطلق العالم من خلالها صوته في وجه تحدٍ بيئي وإنساني وهو( التصحر والجفاف ) والذي يزداد اتساعًا وخطورة على البشرية وعلى الحياة على كوكب الأرض .
ويُحيي العالم هذه المناسبة في عام 2025 تحت شعار ( استعد الأرض - أطلق الفرص) في دعوة ملحّة لاستصلاح الأراضي المتدهورة، وتحويلها من مساحات يابسة إلى موارد منتجة تدعم الاقتصاد، وتحقق الأمن الغذائي، وتفتح آفاقًا جديدة لفرص العيش الكريم.
أرقام مقلقة وخسائر عالمية
وتأتي هذه الدعوة في وقت تشير فيه تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 40% من الأراضي على كوكب الأرض متدهورة بدرجات متفاوتة، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على حياة أكثر من ( 3.2 ) مليار إنسان.
ويُعد التصحر أحد أخطر التحديات التي تواجه سكان المناطق الريفية وشبه الجافة، خصوصًا في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تزداد هشاشة الأنظمة البيئية بفعل التغيرات المناخية وسوء استخدام الموارد الطبيعية وتراجع السياسات البيئية الفاعلة.
- استصلاح الأرض: رؤية أممية لعام 2030
وضمن جهود التصدي لهذه الظاهرة، تسعى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى استصلاح 1.5 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، وذلك من خلال دعم الاستثمارات البيئية، وتوسيع المبادرات المحلية، وتحقيق التكامل بين الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية، لضمان مستقبل أخضر ومستقر للمجتمعات المتأثرة.
- الشعار يتسع.. من الأرض إلى الإنسان
يميز شعار هذا العام هو تجاوزه للبعد البيئي المباشر إلى أبعاد تنموية واقتصادية أشمل. فهو يربط استعادة الأرض بخلق فرص العمل، خاصة من خلال تعزيز المشاريع الزراعية المستدامة في المجتمعات المحلية، مما يساهم في رفع مستوى المعيشة والحد من الهجرة من المناطق الريفية. كما يشير الشعار إلى أهمية بناء قدرة المجتمعات على التكيف مع الجفاف عبر تطوير أنظمة ري مرنة، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الوعي البيئي، إلى جانب دعم مشاركة النساء والشباب في جهود حماية البيئة، من خلال توفير التدريب والموارد والفرص لإدماجهم في عملية التنمية.
- مسؤوليات الدول: من السياسات إلى التوعية
وتؤكد الأمم المتحدة على ضرورة تبني الدول لسياسات وطنية شاملة تستهدف التصدي لظاهرة التصحر، من خلال إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتشجيع الابتكار في تكنولوجيا الزراعة والمياه، وتنظيم حملات توعوية، وإدماج مفاهيم الاستدامة البيئية في التعليم، بما يعزز الوعي العام ويغرس قيم حماية الأرض لدى الأجيال القادمة.
- ليبيا.. بلد في مواجهة التصحر
ففي ليبيا، يتقاطع هذا اليوم العالمي مع واقع بيئي مقلق، حيث تواجه البلاد ضغوطًا متزايدة بفعل تراجع معدلات الأمطار، وازدياد موجات الجفاف، وسوء إدارة الأراضي، ما يجعلها من أكثر الدول عرضة لخطر التصحر في شمال أفريقيا. وتشير بيانات وزارة البيئة إلى أن نحو 90% من المساحة الجغرافية للبلاد ذات طبيعة صحراوية، غير أن المقلق هو امتداد هذا التصحر نحو المناطق الزراعية والساحلية.
- تدهور الغطاء النباتي في الجبل الأخضر
وأوضحت مدير إدارة التعاون الدولي والفني بوزارة البيئة " انتصار محمد المجبري" في تصريح لـ (وال) أن الغابات التي كانت تغطي قرابة 0.4% من مساحة ليبيا، وتحديدًا في منطقة الجبل الأخضر، شهدت تراجعًا خطيرًا خلال العقود الأخيرة ، حيت انخفض الغطاء النباتي في تلك المنطقة من نحو( 500 ) ألف هكتار في عام 1976 إلى ( ) ألف هكتار فقط في عام 2007، أي ما يعادل انخفاضًا بنسبة 64% خلال ثلاثين عامًا.
- أسباب بشرية وطبيعية تتشابك
وأرجعت المجبري هذا التدهور إلى عدة عوامل متشابكة، من بينها الجفاف المتكرر، والرعي الجائر، وقطع الأشجار لاستخدامها كوقود، إلى جانب التوسع العمراني العشوائي الذي ساهم في القضاء على مساحات واسعة من الغطاء النباتي. كما أشارت إلى أن غياب برامج إعادة التشجير، وضعف السياسات البيئية، زادا من هشاشة التربة وعرّضاها للتعرية والانجراف.
- تغير المناخ يزيد الخطر
وحذّرت المجبري من أن التغيرات المناخية المفاجئة، وعلى رأسها إعصار دانيال والسيول الأخيرة، ليست مجرد ظواهر عرضية، بل تنذر بموجات من التأثيرات البيئية المدمرة التي تستدعي استجابة عاجلة على مستوى السياسات الوطنية. ودعت إلى إطلاق خطة تعافٍ بيئي شاملة تركز على إعادة تشجير المناطق المتضررة، وترميم التربة، وتعزيز البنية التحتية البيئية، وتطوير أنظمة إنذار مبكر، بالإضافة إلى دعم المزارعين والمجتمعات المتأثرة بالمناخ القاسي.
- التحرك الآن.. قبل فوات الأوان
وأكدت أن ليبيا اليوم تقف أمام مفترق طرق، حيث لم يعد التصحر تهديدًا بيئيًا فحسب، بل خطرًا مباشرًا على أمنها الغذائي والمائي ، مبينة أن تآكل الأراضي الزراعية وتدهور إنتاجيتها يهددان الاستقرار الاقتصادي، ويستدعيان تحركًا سريعًا لتبني استراتيجيات مستدامة، ترتكز على التوعية، والتشجير، وتطوير آليات الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية.
ختامًا.. الأرض مستقبلنا المشترك
إن اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لا يمثل مجرد مناسبة بيئية، بل هو دعوة عالمية لإعادة النظر في علاقتنا مع الأرض، وتقديرنا لما تمنحنا من موارد وحياة. فاستعادة الأراضي المتدهورة ليست فقط استجابة لتهديدات آنية، بل هي استثمار طويل الأمد في مستقبل أكثر أمنًا وعدلًا واستدامة. وبينما يرفع العالم هذا العام شعار "استعد الأرض.. أطلق الفرص"، فإن هذه الرسالة تتجاوز الكلمات إلى مسؤولية حقيقية تقع على عاتق الأفراد والحكومات والمؤسسات. لأن الأرض التي نُهملها اليوم، قد تكون أمل الغد لأطفالنا، ومصدر رزقنا واستقرارنا، ومفتاح تنميتنا ونجاتنا معًا. .
( وال)