مصنع اسمنت سوق الخميس امسيحل مصدر قلق لجيرانه .
نشر بتاريخ:
. " تقرير " .
كتبه : البدري العوزي .
طرابلس 6 مارس 2016 ( وال ) - يعاني سكان المناطق المحيطة بمصنع الإسمنت
الواقع فى منطقة سوق الخميس امسيحل - 70 كيلومترا جنوب العاصمة طرابلس -
من انبعاث الأتربة والغبار والعوادم الناتجة عن تصنيع مادة الإسمنت .
وحول مخاطر الغبار والأتربة الناتجة عن تشغيل هذا المصنع ووقوعه بالقرب
من الأحياء السكنية ، رصدت وكالة الأنباء الليبية ، عددا من الآراء
والحقائق من عدد من ذوي الشأن .. فقد أكد أحد المسؤولين بالمجلس المحلي
بمنطقة سوق الخميس امسيحل ، أن مصنع إسمنت سوق الخميس امسيحل ، الذي بدأ
إنتاجه في العام 1975 ميلادية ، أصبح مصدر قلق لسكان المناطق المحيطة
بالمصنع ، لما يسببه من مضار للإنسان والحيوان والأشجار ، في آن واحد .
ويضيف المسؤول بالمجلس المحلي سوق الخميس امسيحل ، أن غالبية سكان
المناطق المحيطة بالمصنع ، والذين يقدرون بحوالي خمسين ألف نسمة ، غادروا
مساكنهم ومزارعهم القريبة من المصنع ، مفضلين العيش فى مناطق أخرى بعيدة
عن الأدخنة والغبار الناتج عن عملية تصنيع الإسمنت ، الأمر الذى خفض
أسعار بيع المزارع والمساكن القريبة من المصنع ، إلى النصف تقريبا .
ويقول المسؤول ( أصحاب المزارع المحاذية للمصنع شبه خالية تماما من
سكانها ، لمغادرة أصحابها إلى الأحياء السكنية التي تم بناؤها منذ حوالي
30 عاما كمنطقة المساكن الشعبية فى منطقة سوق الخميس ، والتى تبعد حوالي
10 كيلومترات عن مكان المصنع .
من جهته ، يؤكد أحد المسؤولين بمصنع إسمنت سوق الخميس ، بأنه تم مخاطبة
عدد من الجهات الصحية والأمنية والضبطية بالمضار التي تسببها الأدخنة
والغبار المنبعثة من فوهات مداخن المصنع خلال فترة النظام السابق ، ولكن
كل المخاطبات والشكاوى ، التى قدمها سكان هذه المناطق ، لم تحظ باهتمام
المسؤولين وصناع القرار في تلك الحقبة .
ويضيف ( بعد ثورة فبراير تنادى عدد من سكان المناطق المحيطة بالمصنع ،
وقدموا شكوى الى إدارة المصنع بضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة ، وإيصال
صوتهم إلى الجهات المختصة بالرغم من اقتناعهم بأن تغيير مكان هذا المصنع
أو قفله شئ مستحيل لا يمكن تحقيقه ، وإنما الحل الوحيد ، والذي يمكن
تحقيقه هو مغادرتهم وتركهم لبيوتهم ومزارعهم كالمهجرين حفاظا على صحتهم
وصحة أبنائهم ) .
وتابع قوله ( إن قفل المصنع أو تغيير مكانه ، يكلف الدولة الليبية مبالغ
باهظة ، والعزاء الوحيد من ديمومة هذا المصنع فى منطقة سوق الخميس ، بأنه
يأوى قرابة الخمسمائة عامل داخل هذا المصنع من عمال ، وفنيين ، وإداريين
، وموظفين ، غالبيتهم من أبناء المناطق القريبة من المصنع ، والذين
يشكلون حوالي ثلاثة أرباع عمال المصنع بمختلف وظائفهم ، أي من بين قرابة
سبعمائة وخمسين شخصا ، وهو عدد العاملين بالمصنع ، بل وبعضهم من أفنى
عمره للعمل بهذا المصنع ، دخله شابا يافع ، وخرج منه للتقاعد متجاوزا
الستين عاما ..)
وفي السياق نفسه ، يوضح أحد المهندسين بالمصنع ، بأن المادة الخام لصناعة
مادة الإسمنت يتم جلبها من الجبال الواقعة فى محيط المنطقة بينما يتم جلب
مادة " الطفلة " من منطقة سد وادي غان ، فيما يتم جلب مادة الحديد من
منطقة " براك الشاطئ فى سبها .
ويرجع أحد سكان الحي المحاذي للمصنع ، بأن أسعار العقارات فى الحى انخفضت
بشكل كبير منذ أكثر من 20 سنة ، نتيجة هجرة معظم السكان لهذه الأحياء
التى أصبحت مصدر قلق على صحة الإنسان والحيوان والنبات .
ويوضح هذا المواطن ، بأنه وفى أوقات معينة ، تسود المنطقة سحابة سوداء
كثيفة ممتلئة بالأتربة والأدخنة المنبعثة من المصنع عبر مداخن يبلغ
إرتفاعها حوالى العشرين مترا .
ويقول ( إن الحياة والعيش فى هذه المناطق صعب جدا ، وخاصة فى فصل الصيف
مع ارتفاع لدرجات الحرارة ، وخاصة إن منطقة سوق الخميس ، تتميز بارتفاع
درجة الحرارة فى فصل الصيف ، والتى تتجاوز الأربعين درجة في أغلب الأحيان
) .
من جهته ، يوضح أحد المزارعين بالمنطقة ، بأن مزرعته هجرها لأكثر من
عشرين سنة ، وأنه يأتى إليها بين الحين والآخر ، وأنه اشترى مزرعة أخرى
فى منطقة قصر بن غشير ، والتى تبعد حوالى الثلاثين كيلو مترا عن المصنع .
ويضيف المزارع ، بأن الحياة فى مزرعته وغيرها من المزارع المحاذية لها ،
أمر مستحيل وصعب لما يهدد حياته وحياة أفراد أسرته ، نظرا للإصابة بأمراض
مزمنة وخطيرة .
وحول معاناة سكان المناطق المحيطة بالمصنع نتيجة انبعاث الأدخنة
والغبار من المصنع ، يؤكد أحد العاملين بالمستوصف الصحى الواقع بمنطقة
المساكن الشعبية بسوق الخميس ، أن الآثار السلبية التى يسببها موقع
المصنع وسط الأحياء السكنية واضحة جدا من خلال سجل المرضى المترددين على
هذا المرفق الصحي ، والذين يعاني غالبيتهم من مشاكل في الجهاز التنفسي
كالضيق فى التنفس ، والربو ، وأمراض التهابات الصدر والرئة ، والتى تكون
خطيرة ، وتشكل تهديدا مباشرا لحياة الإنسان ، إذا لم تتم معالجتها منذ
اكتشافها .
ويشير في هذا الصدد ، بأن غالبية مرضى التهابات الصدر والرئة والأمراض
التنفسية المختلفة هم من سكان المناطق القريبة من المصنع ، الأمر الذى
يدق ناقوس الخطر حول انتشار عديد الأمراض التنفسية المختلفة ، والتى تكون
معدية فى غالبية الأحيان لسهولة انتشار المرض وتفشيه بين هؤلاء السكان ،
وذلك ما يزيد الطين بلة ، حسب قوله .
وفي السياق نفسه ، يؤكد أحد أخصائيي الأمراض التنفسية بمستشفى طرابلس
الطبي ، بأن هناك حالات تم تحويلها من مستوصف سوق الخميس تعاني من
التهابات خطيرة وخطيرة جدا نتيجة إهمال أصحابها من التردد على المستشفى
عند الشعور بأى ألم فى الصـدر أو ضيـق فى التنفس .
مزارع بمجرد الاقتراب منها ، يغلب عليها الجفاف والكآبة ، وأحياء
سكنية تكاد تكون خالية من سكانها رغم أزمة السكن داخل البلاد ، ولكن هذه
المرة ليس بسبب النزاعات المسلحة ، أو داخل مناطق الاشتباكات التي تحدث
بين الحين والآخر ، ولكن السبب الرئيسي هو الهروب من المرض أو الهروب من
مخلفات هذا المصنع الذي يبنى من جهة بما ينتجه ، ويدمر من جهة أخرى حياة
الإنسان بغباره وأتربته وعوادمه .
هناك المستفيد والمتضرر في هذه الدنيا ، ولعل نصيب هؤلاء السكان القريبين
من المصنع هم من المتضررين الذين جاءت بهم الأقدار ، وحطت بهم في هذا
المكان في مساكنهم لإيوائهم من برودة الشتاء وحرارة الصيف ، ولكن لا
البرودة ولا الحرارة أخطر من هذه الانبعاثات المسمومة ، التى لا تترك
كائنا حيا يعيش بصحة وسلام فوق هذه الأرض .
..( وال )..