سخونة الجنوب الليبي وارتباطه بتفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية - تحليل .
نشر بتاريخ:
التحرير الدولي .
طرابلس 13 فبراير 2013 (وال)- لا تزال الأوضاع في الجنوب الليبي متذبذبة على
المستوى الأمني بالرغم من سيطرة وحدات الجيش الليبي والثوار على قاعدة "تمنهنت"
حاليا ، وعودة الحياة إلى طبيعتها في عاصمة الجنوب.
وقال قادمون من سبها عبر الطريق البري إلى طرابلس اليوم الخميس إن الوضع في سبها
مستقر إلى حد كبير حيث عادت الحياة إلى طبيعتها وفتحت المصارف والدوائر الحكومية
والمحلات التجارية أبوابها إلا أن الصورة لا تزال ضبابية في المنطقة الصحراوية
وبخاصة على الحدود مع تشاد والنيجر حيث يعتقد أن فلول النظام السابق والعصابات
المسلحة فرت تحت ضغط الجيش الليبي والثوار وتمركزت في نقاط محددة في الصحراء
الليبية.
وأوضح إبراهيم مختار سائق سيارة أجرة يعمل على خط "سبها طرابلس سبها" لوكالة
الأنباء الليبية أن الطريق آمنة إلى حد كبير لكنه يفضل العودة إلى سبها مع ركابه
قبل غروب الشمس مؤكدا أنه لا تزال تسمع حتى الليلة الماضية أصوات تراشق بالأسلحة
الثقيلة وقذائف الهاون خلف "القلعة" حيث يتمركز اللواء السادس.
وفي سياق متصل بأحداث الجنوب الليبي ظهر تباين يبدو أنه تكتيكي في الموقف الفرنسي
حيث استبعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريحات لإذاعة فرنسية مطلع
الأسبوع احتمال التدخل العسكري في جنوب ليبيا وفضل انتظار ما سيسفر عنه الاجتماع
الوزاري الخاص بليبيا وأمنها المقرر يوم 6 مارس القادم في روما.
وجاءت تصريحات فابيوس بعد أيام من تصريحات لرئيس الأركان الفرنسي الأميرال أدورا
غيو قال من خلالها إن "عملية عسكرية دولية هي الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى
الجنوب الليبي" .
إن الموقف الفرنسي المفتوح على كل الاحتمالات والمتأرجح بين دبلوماسية فابيوس
وتشدد رئيس الأركان غيو ، يأتي على خلفية تصريح قد يكون ألقي في أذن وزير الداخلية
في النيجر عند زيارته لباريس يوم 5 فبراير الجاري حيث قال إنه "من المشروع أن تتدخل
باريس وواشنطن عسكريا في الجنوب الليبي لمجابهة التهديد الإرهابي".
لا شك أن الجنوب الليبي يشكل اليوم هاجسا لأوروبا ليس بفعل تواجد المجموعات
المتطرفة التي انتشرت فوق التراب الليبي نتيجة الحملة العسكرية الفرنسية في مالي
فحسب ولكن بسبب وضعه كنقطة عبور أساسية لآلاف المهاجرين غير الشرعيين من وراء
الصحراء باتجاه القارة العجوز.
ويعتقد المراقبون أن مشكلة الهجرة غير الشرعية وتفاقمها وانعكاساتها الخطيرة على
التركيبة الديموغرافية في أوروبا على المدى المتوسط والبعيد هي في الواقع الهاجس
الأكبر لدى فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية ومن هنا ليس من المستبعد أن تكون باريس
، عن طريق مخابراتها ، لعبت بعد سقوط نظام القذافي مباشرة دورا في إبقاء منطقة
الجنوب الليبي مشتعلة لتكون ورقة ضغط في وجه أية حكومة قادمة في ليبيا.
إن فرنسا والدول المتحالفة معها تدرك جيدا أنها ساعدت الشعب الليبي على إسقاط
النظام الدكتاتوري في ليبيا وتعلم جيدا كذلك أنها لم توفر خدمة "ما بعد البيع" أي
مساعدة السلطات الجديدة في ليبيا على إحكام السيطرة على الأمن وذلك ليس غباء أو خطأ
استراتيجيا كما يحاول البعض تمريره من خلال رسائل دبلوماسية أو إعلامية ، وإنما
الإستراتيجية كانت تقتضي ، بحسب المراقبين ، إبقاء الجنوب الليبي بصورة خاصة وليبيا
بصورة عامة منطقة ساخنة حتى تتضح ملامح "الربيع العربي" في منطقة شمال أفريقيا
بأسرها.
وسيكشف الاجتماع الوزاري في روما مطلع الشهر القادم حول الأمن في ليبيا مدى جدية
الأطراف الأخرى في مساعدة السلطات الليبية على تحريك الملف الأمني والسيطرة عليه
ولو جزئيا غير أن الكثير من المراقبين يرون أنه يتعين على السلطات الليبية إدراك أن
أوروبا لن تتحرك إلا وفق مصالحها وبالتالي فإن الدبلوماسية الليبية مدعوة للتنسيق
مع دول الجوار لإقناع أوروبا بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية لن تحل إلا من خلال
استقرار دول المنطقة مجتمعة وتفعيل خطط التنمية المكانية في دول الساحل الإفريقي في
إطار تعاون جنوب - جنوب يخفف العبء عن أوروبا التي تعاني أزمة اقتصادية متفاقمة.
( وال )