Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

( خاص – وال) : شواهد حجرية عثمانية تجسد حقبة ثرية من تاريخ بنغازي

نشر بتاريخ:

  إعداد : نور الهدى طاهر

بنغازي 18 ديسمبر 2025 م ( وال ) - تنتصب في أروقة مراقبة آثار بنغازي، شواهد قبور عثمانية نُحتت قبل عشرات السنين، لتقف اليوم كشواهد صامتة على حقبة تاريخية ثرية مرّت بها المدينة.

فأعمدة الرخام، التي تزيّنت بعمائم وطرابيش ورموز دقيقة، لم تكن مجرد علامات جنائزية، بل وثائق بصرية تختزل المكانة الاجتماعية والمهنية لأصحابها، وتحفظ ملامح مجتمع عاش على هذه الأرض قبل عشرات السنين.

أستاذ الآثار في جامعة بنغازي جمعة كشبور، قال لـ ( وال) إن بنغازي كانت في فترة زمنية سابقة ولاية عثمانية كسائر ولايات الدولة العثمانية، وهو ما انعكس بوضوح على أشكال شواهد القبور في مقابرها القديمة، مثل مقابر سيدي خريبيش، والشابي، والشريف.

وأوضح أن هذه المقابر ضمّت عددًا كبيرًا من شواهد القبور المكتوبة بالخط العثماني القديم، والتي تخلّد ذكرى شخصيات عثمانية كانت تقيم في المدينة وتوفيت ودُفنت فيها، ما يجعلها مصدرًا مهمًا لدراسة التاريخ الاجتماعي والإداري لبنغازي خلال تلك الحقبة.

لغة العمائم والطرابيش

بدوره أوضح الباحث بمراقبة آثار بنغازي، ماهر القزيري، أن شواهد القبور العثمانية تتميّز بتنوّع أشكال العمائم والقلنسوات، ولكل شكل منها دلالة واضحة في الثقافة العثمانية.

وأشار أن العمامة الكبيرة المضلّعة كانت مخصصة لكبار رجال الدولة والعلماء، بينما تشير العمامة المتوسطة إلى القضاة والأئمة وطلبة العلم. أما عمائم المتصوفة، فقد اختلفت بحسب الطرق الصوفية، مثل المولوية والقادرية، وحملت رموزًا نباتية وزهرية مميزة.

كما ظهرت القبعات المخروطية المرتفعة على قبور كبار رجال الدولة، في حين وُضعت الخوذ العسكرية على قبور جنود الإنكشارية ، وفي فترات لاحقة، شاع استخدام الطرابيش المرتبطة بالرتب المهنية والاجتماعية، إلى جانب العمامة البورمية ذات اللفات المتعددة، والتي كانت مخصصة للوزراء والباشاوات.

- شواهد النساء… رمزية الزهور

أما شواهد قبور النساء، فجاءت أكثر رقة في رموزها، حيث زُينت بالزهور والأكاليل ، وتشير الوردة الكاملة إلى امرأة ناضجة، بينما ترمز الوردة المقطوعة إلى وفاة فتاة صغيرة أو شابة، في لغة بصرية تختصر العمر والمصير.

- رموز المهن والمكانة الاجتماعية

ولم تقتصر الدلالات المنحوتة على العمائم فقط، بل شملت رموزًا دقيقة تعكس مهنة المتوفى ودوره الاجتماعي، مثل السفن والمراسي التي دلت على البحّارة وأصحاب المهن البحرية، والريشة التي رمزت إلى الكتّاب والموظفين، إلى جانب السيف والمدفع اللذين عبّرا عن العسكريين وأصحاب الرتب.

- حقيقة شواهد رشيد باشا

وحول الجدل المرتبط بالشاهدين المنسوبين إلى رشيد باشا، أوضح جمعة كشبور أن المقصود هنا هو رشيد باشا متصرف بنغازي خلال الفترة من 1889 إلى 1893م، وليس مصطفى رشيد باشا الصدر الأعظم العثماني ، مبينا أن رشيد باشا متصرف بنغازي توفي في المدينة ودُفن في المسجد الذي قام ببنائه، والمعروف حاليًا باسم مسجد عصمان.

وأضاف أن جثمانه ظل مدفونًا هناك حتى تعرّض القبر للاعتداء عام 2012م، ليتم بعدها نقل الشاهدين إلى مراقبة آثار بنغازي للاحتفاظ بهما وحمايتهما، مشددًا على أن لا علاقة لهذين الشاهدين بمصطفى رشيد باشا المدفون في إسطنبول، وأن الخلط في هذه المسألة يعود إلى تشابه الأسماء.

ذاكرة محفورة في الحجر

وبين الحاضر والماضي، تبقى شواهد القبور العثمانية في بنغازي ذاكرة محفورة في الحجر، تحفظ قصص أناس مرّوا من هنا وتركوا أثرهم في تاريخ المدينة. فكل عمامة منقوشة سطر من تاريخ، وكل زهرة حكاية حياة، وكل رمز وثيقة صامتة تُكمل ملامح مرحلة لا تزال آثارها نابضة في ذاكرة بنغازي.

( وال)