Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

من طرابلس إلى القدس... الكاتبة عائشة الأصفر تتحدث لـ«وال» عن روايتها «إيشي» الفائزة بجائزة القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبي

نشر بتاريخ:

حوار : وكالة الأنباء الليبية

طرابلس 02 نوفمبر 2025 (وال) - في فضاء الأدب العربي، حيث تمتزج الحكاية بالوجدان وتصبح الكلمة جناحًا يعبر المسافات، تحلّق الكاتبة والروائية الليبية عائشة الأصفر في سماء الإبداع وهي تحمل جائزة "القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبي" عن روايتها اللافتة «إيشي»؛ العمل الذي شكّل مرآةً لوجع الإنسان الليبي والعربي، وصرخةً ناعمة ضد العنف والتهميش والإقصاء.

في حديثها لوكالة الأنباء الليبية (وال)، تحدثت الأصفر عن لحظة الفوز، عن فلسطين والقدس، وعن الرواية التي حملت ملامح الإنسان المهمّش وأحلامه. قائلة إن خبر الجائزة، وهو يأتي من فلسطين، تجاوز معنى الفوز برواية مكتوبة، إذ شعرت أنها تعانق فلسطين بكل تاريخها وأزقتها ومخيماتها، وكأن «إيشي» قد نفضت عذاباتها وحلّقت.

وتصف الكاتبة اسم الجائزة بأنه تشريف آخر، يحمل في طيّاته أبعادًا قدسية وثقافية ومعنوية تعمّق من رمزية التكريم، وتمنحه بُعدًا حضاريًا وإنسانيًا. وتوضح أن لجنة التحكيم أشادت في تعليقاتها بالموضوع الإنساني للرواية وبقوة بنائها الفني، مشيرةً إلى أن الرواية التي تترك أثرها في ذهن القارئ هي التي تمسّ جوهر الإنسان، مؤكدة أن محليّة «إيشي» ليست سوى نموذج لكل محليّات العالم.

وتأخذ الأصفر  في روايتها "ايشي" القارئ في رحلة تمتد عبر صفحات الرواية الثلاثمائة، من طرابلس إلى سبها في حافلة، بين شخصيتين رئيسيتين هما "احبيب" أستاذ الجغرافيا و"إيشي" أستاذة التاريخ، في ست ساعات فقط هي زمن الرواية. يتقاطع في هذه الرحلة التاريخ والجغرافيا والوجدان، وتتشابك الأزمنة من سبها ومرزق إلى بنغازي وطرابلس، مرورًا بإثيوبيا وكانم وفاس، في حوارٍ داخلي يعكس اضطراب النفس وتعقيد الفكر.

وتقول الكاتبة إن «إيشي» هي رواية الإنسان المهمّش في كل المجتمعات، وأن كل الروايات التي وصلت إلى القائمة النهائية للجائزة مميزة، فكل المبدعات – كما تعبّر – فائزات.

أما الاسم نفسه «إيشي»، فهو كما توضح الأصفر، اسم إثيوبي تنكّرت به بطلتها الليبية "عائشة باكوري"، أستاذة التاريخ، بعد أن اضطرتها الحرب في مرزق إلى النزوح والعمل خادمة في بيوت الليبيين. وأن الاسم في الأصل تحريف إثيوبي لاسم "عائشة" بالعربية، ما يجعله يحمل دلالة مزدوجة على الهوية والانتماء والاغتراب.

وترى عائشة الأصفر أن الروائي لا ينفصل عن واقعه، بل يتأثر به ويحمله معه في كل ما يكتب، وإن كان يعيش في الرواية حياةً تخييلية مختلفة. 

وتؤكد الكاتبة أن الصحراء كانت دائما حاضرة في كتاباتها لأنها تمثل عمق المجتمع الليبي، مساحةً وتاريخًا، بما تحمله من خصوصية سردية وإنسانية. وتقول: "أنا ابنة كل ليبيا؛ عشت ونشأت في سبها، وولدت في طرابلس، ودرست في بنغازي. تشربت مبكرًا المد القومي ووحدة المصير العربي، فكبرت وفي داخلي أني ابنة هذا التراب من المحيط إلى الخليج".

وتعتبر الأصفر أن الرواية الحقيقية لا تقتصر على حدود الجغرافيا، بل تنطق بلسان الإنسان في كل مكان. تقول: "انطلقت «إيشي» من حيّ شعبي في سبها، من شارع 40 تحديدًا، وهو نموذج للشوارع الخلفية في كل مدننا العربية، حيث يتقاطع الفقر والغنى، والأصالة والانكسار، وتغوّل السلطة وتناقضات الحياة".

أما عن دور الأدب في مواجهة التهميش والعنف، فتقول: "ليست مهمة الروائي الوعظ، لكنه يستفزّ القارئ ليتّعظ. وليست مهمته التأريخ، لكنه ينبش حلق التاريخ ليتكلم. الأدب حالة مقاومة داخلية، صراع بين الكائن وذاته وبين الإنسان ومحيطه. إنه انبثاق للوجود وتجدد دائم، كالحياة نفسها".

وفي رؤيتها لموقع المرأة المبدعة في المجتمعات العربية، تؤكد أن "الإبداع الجيد يفرض نفسه ولا يحتاج إلى اعتراف، فليس هناك إبداع يخصّ المرأة، لأن الإبداع إنساني أولًا وأخيرًا". وترى أن الأدب النسوي بمعناه الواسع اجتاح الساحة الأدبية بجدارة، مشيرة إلى أن أكثر من مئة وتسعين رواية شاركت في المنافسة، جميعها مؤهلة ومتميزة.

وتصف الأصفر المرأة في رواياتها بأنها قوية رغم الألم، صامدة رغم الانكسار، وتقول: "المرأة يجب أن تكون قوية كأي إنسان يريد أن يقف على قدميه. إن لم تقف، لن ترى العالم من النافذة، ولن تتعلم المشي، وستظل تنظر إلى أقدام العابرين على أكتافها".

وتضيف: "المرأة في الأدب رمز الحياة بكل تناقضاتها، أما الأدب فمهمته ليست تحرير أحد، بل التعبير عن الجمال حتى في الألم والحزن، في مرارة الحقيقة بعيني طفلٍ سودانيٍّ يستنهض جثة أمه".

وفي ختام حديثها، توجّه الأصفر رسالةً للمرأة العربية بمناسبة فوزها بالجائزة، قائلة: "على المرأة أن تدرك أنه لا توجد قضية منفصلة تخصّها، بل قضية إنسان وأزمة عقل. إنسان ضعيف مستعبَد، وآخر قوي مستعبِد. إنسان متخلّف، وآخر متفوق."

ووجّهت الأصفر تحيةً إلى فلسطين والقدس، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني "أكثر شعوب المنطقة تأهيلًا لقيام دولة حقيقية ديمقراطية ونهضوية حديثة"، وأن الجائزة القادمة من القدس ليست مجرد تكريم، بل جسر ثقافي وإنساني يربط الإبداع العربي بروح المقاومة والجمال.

..(وال)..