Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

المباني التاريخية في ليبيا : موروث حضاري مادي يواجه تحديات الهدم والتشويه

نشر بتاريخ:

  متابعة : محمد الزرقاني .

 الصور: إدارة الجهاز.

طرابلس 28 أكتوبر 2025 (وال) - تعاني المعالم والمباني التاريخية في ليبيا من التآكل بفعل العوامل الطبيعية والإهمال من المؤسسات المختصة لأسباب عدة، ناهيك عن تعرضها للهدم على أيدي مالكيها وربما محتليها بطرق غير قانونية، وسط غياب حصر شامل لهذه المعالم التي تمتد عبر عصور مختلفة، بداية من عهد القبائل الليبية القديمة، مرورًا بالفينيقيين والرومان والإغريق، وصولًا إلى العهد الإسلامي والعثماني والإيطالي.

 وتزخر ليبيا بمعالم تاريخية وأثرية وثقافية فريدة من نوعها تعكس عمق تاريخها العريق وتنوعها الثقافي أهلتها لنيل شرف ضم الكثير منها إلى الموروث الحضاري الإنساني، ولها مواقع استثنائية، تجسد إنجازات الشعوب المعمارية على مر العصور، وتحتفظ بأسرار الذاكرة الإنسانية.

 ,قال المستشار الفني بجهاز إدارة المدن التاريخية، المهندس حسام الشيمام، في مقابلة مع وكالة الأنباء الليبية (وال)، إن هدم بعض المباني التاريخية يُعد جريمة في حق الموروث الحضاري المادي لليبيا مشيرا إلى أن عمليات الهدم حدثت بشكل محدود قبل 2011 لكنها تفاقمت إثر تفكك مؤسسات الدولة وانتشار الفوضى الأمنية واستدامة الانقسام السياسي.

 وكشف الشيمام  أن مؤسسته مسؤولة عن حماية الأثار والمدن التاريخية بناء على القانون الصادر عام 1995، عن وجود تعديات خطيرة طالت الكثير من المباني التاريخية  في فترة الانفلات الأمني بعد 2011، بحسب وصفه، غير أنه أكد أن الجهاز لجأ إلى الجهات الأمنية المختصة منها الشرطة السياحية والحرس البلدي لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.

 وأضاف أن الحفاظ على الموروث الحضاري للبلاد يعتمد كذلك على وعي المواطنين والسلطات المحلية في مختلف المناطق للتصدي لكل العابثين والمخالفين للقانون مشيدا في هذا الصدد بجهود الكثير من المواطنين القاطنين بالقرب من هذه المباني والبلديات والأجهزة الضبطية التي ساهمت في الحفاظ إلى حد كبير على الموروث الحضاري الإنساني لدولة ليبيا.

 وتابع أن القانون يخول جهاز إدارة المدن التاريخية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المباني التاريخية ومنع التعدي عليها أو تغيير شكلها المعماري مشددا على ضرورة مساعدة الجهاز من قبل المواطنين، خاصة في المناطق النائية، للتبليغ عن أية محاولة للعبث بالمباني التاريخية.

 وأوضح أن الجهاز أطلق حملة لتسجيل المباني التاريخية وترقيمها ووضع ألواح رخامية عليها تبين في ايجاز تاريخ المبنى وهويته وتسجيله في السجل الوطني لحمايته ومنع التعدي عليه بالهدم أو تغيير ملامحه مؤكدا أن أي مساس بالمبنى بعد تسجيله يُعد جريمة يُحاسب عليها القانون.

 واستطرد أن الحملة أسفرت حتى الآن عن تسجيل العديد من المباني في عموم التراب الليبي، مؤكدا أن أحدث الحملات شملت مدينتي الكفرة (أقصى جنوب شرق ليبيا) وغات (أقصى جنوب غرب ليبيا) حيث تم تبليغ الجهات ذات العلاقة منها البلدية والتخطيط العمراني والشرطة السياحية والحرس البلدي، للمتابعة ومنع أية محاولات للعبث بهذه المباني.

 وأكد الشيمام أن الجهاز يتعامل، بحسب القانون، مع كل المباني التاريخية، سواء الخاضعة لملكية خاصة أو عامة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الكثير من الجهات العامة تعتقد أنها تستطيع تغيير ملامح المبنى عند صيانته، ما يُعد مخالفة للقانون، قبل أن يُشدد على أنه يتعين في مثل هذه الحالات اتباع الإجراءات القانونية منها التواصل مع البلدية الواقع في نطاقها المبنى التاريخي وطلب رخصة بالترميم تُوافق عليها اللجنة المعمارية المختصة، أما في حالة الهدم فيجب الحصول على رخصة هدم بعد استيفاء الشروط وتقديم الأسباب.

 وركز في سياق متصل على أن الجهاز يواجه إشكالية الجهل في معظم المؤسسات بوجود معايير للمحافظة على المباني التاريخية التي تعود للعهد العثماني وما قبله إضافة إلى بعض المباني في منطقة الواحات ملكيتها خاصة وعامة، ومباني ملاكها غير موجودين ناهيك عن المدن القديمة والتراثية.

 واشتكى المستشار الفني بجهاز إدارة المدن التاريخية من عدم وجود الميزانية الكافية لصيانة وترميم المباني التاريخية ما جعل دوره يقتصر حالياً على الحصر والتسجيل وتقديم المساعدة بإعطاء مواصفات المواد الخاصة المستخدمة في صيانة المباني التاريخية وترميمها.

 وكشف مدير مكتب مدير عام الجهاز، محمد سامح الفندان من جهته، عن مواجهة مؤسسته تحديات كثيرة في الحفاظ على المباني التاريخية، مشددا على ضرورة تكاثف كافة الجهود لحماية الموروث الحضاري والإنساني في ليبيا وركز في هذا الصدد على دور وسائل الإعلام في تحسيس المواطنين بأهمية المحافظة على التراث والموروث الحضاري والإنساني الليبي المنتشر على رقعة جغرافية واسعة.

 وأضاف الفندان في تصريح لـ (وال) أن الجهاز قام بتسجيل أكثر من 230 مبنى تاريخيا ذي قيمة كبيرة للتراث الوطني ما يُعدّ خطوة مهمة حيث سيحمي هذا الإجراء هذه المباني قانونيًا من التعديات والهدم والتشويه.

 وعبر عن ارتياحه لقيام أهالي مدينة القطرون التاريخية بصيانة المباني القديمة من خلال تبرعاتهم حيث تواصلوا مع الجهاز الذي أوفد لجنة فنية متخصصة شرحت للفنيين أساليب الترميم والمعايير الصحيحة، وساعدتهم في توفير المواد اللازمة ما ساهم في إنقاذ المدينة التاريخية من الانهيار وإعادة إحيائها من جديد.

 واستطرد في سياق متصل أن الأهالي في مدينة زوارة قادوا حملة لتنظيف عدد من المباني التاريخية وإعادة طلاء بعضها وترميم الأبواب المتهالكة مؤكدا أن الجهاز يدعم هذه المبادرات الأهلية كجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الوطني.

 وتابع الفندان أن للجهاز فروعا ومكاتب في مختلف المدن الليبية طرابلس، غات، سبها، المنطقة الوسطى، بنغازي، درنة، تتبعها مكاتب مثل مكتب أوجلة، القطرون، زوارة، تغطي كافة الأراضي الليبية ، مبينا أن إدارة الجهاز ستشرف قريبا على دورات لتدريب عدد من المهندسين بالتعاون مع شركات ليبية وإيطالية وبدعم من دول صديقة لتكوين خبرات ليبية واستيراد المواد الخاصة بترميم المباني التاريخية.

 وأكدت مدير جهاز المدن التاريخية فرع طرابلس، نسرين الشهاوي، من جانبها أن مؤسستها وثقت عددا كبيرا من المباني التاريخية داخل نطاق مدينة طرابلس وخارجها منها، رواق أورورا، في بلدية طرابلس المركز، المستشفى البلدي، مبنى البريد، المصرف التجاري الوطني وسُجًلت في السجل الوطني.

 وكشفت الشهاوي في تصريح لـ (وال) عن تعرض العديد من المباني التاريخية في طرابلس في الآونة الأخيرة للتشويه ومحاولات الهدم غير أن الجهاز استطاع وقف هذه التعديات وأحال الأمر إلى  نيابة النظام العام، وتواصل مع أصاحب العقارات لمطالبتهم بوقف كافة الأعمال والاستعانة بإدارة الجهاز لإرجاع العقار متل ما كان عليه في السابق.

 يُذكر أن جهاز إدارة المدن التاريخية يختص بوضع وتنفيذ السياسات والخطط والبرامج والمشروعات الثقافية والفنية وتحديد ما يعتبره مُدناً قديمة ومباني تاريخية وتسجيل ما يرى تسجيله منها محلياً ولدى المنظمات الدولية بالإضافة لوضع المواصفات الفنية لتنفيذ أعمال الصيانة والترميم وإعداد قاعدة بيانات بالمدن والمباني التاريخية من خلال تجميع الوثائق وأعمال المسوحات.

 ويعمل الجهاز على توفير مواد البناء التقليدية التي استخدمت في مراحل التشييد القديمة لتشجيع ملاك المنازل القديمة على القيام بأعمال الصيانة والترميم الدورية ويسعى لإعادة تأهيل المباني التاريخية ويُشجع على الاستثمار في المدن القديمة والمباني التاريخية من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات المتعلقة بحماية وتطوير الموروث الحضاري المادي الليبي.

 (اوال)