الاستشاري ( أبوقرين ) : السلوكيات الغذائية ، كارثة وطنية صامتة تُهدد الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي .
نشر بتاريخ:
طرابلس 16 أكتوبر 2025 م ( وال) – رأي الاستشاري الليبي الدكتور " علي المبروك أبوقرين " أن الصحة تبدأ من اللقمة والماء والهواء ، فإذا تلوثت المنابع تدهورت الحياة ، وانهارت أسس السلامة ، واشتدّ المرض حتى استوطن الأجساد والبيوت والبلاد .
بهذه المقدمة استهل الدكتور " أبوقرين " مقاله بمناسبة الاحتفال باليوم العامي للغداء .. وقال إن الأمراض المعدية والمزمنة والمناعية والنادرة لم تعد وليدة الوراثة وحدها ، بل أصبحت ابنة بيئةٍ ملوّثة وغذاءٍ مغشوش وماءٍ غير آمن وهواءٍ مكدّس بالملوثات ، وأصبحت نتاج الفوضى الغذائية والبيئية التي اخترقت حياتنا اليومية من المزرعة إلى المائدة ، دون حسيب ولا رقيب ، ولقد أصبح التلوث الغذائي خطرًا صامتًا يهدد الأمن الصحي والغذائي في آن واحد .
وأوضح أنه من الأسمدة الكيميائية والمبيدات السامة التي تتسرب إلى التربة والماء ، وإلى الري بمياهٍ ملوثة غير صالحة للشرب أو الاستعمال الآدمي ، إلى التعديل الجيني غير المنضبط والتدخلات البيولوجية الخطيرة في طبيعة البذور والنباتات ، ومن التخزين السيئ والتصنيع العشوائي والتداول بطرق غير صحية ، إلى اللحوم التي تُنتَج بطرق مخالفة حيث تُغذّى لحيوانات على هرمونات ومضادات ومكونات ضارة تُنقل إلى الإنسان في كل وجبة ، وأما المزارع السمكية والحيوانية الصناعية ، فبعضها تحول إلى معامل تجريبية تنتج غذاءً سريع النمو مع غياب الضمير ، وتُطعم الناس ما لا يعرفون مصدره ولا تركيبته ، والأخطر من ذلك هو ما تشهده الصناعات الغذائية الحديثة من تجاوزات جسيمة ،
ولفت " ابوقرين " إلى أن الزيوت المهدرجة ، واللحوم المصنّعة ، والمشروبات الغازية ، والمُسكرات ، والحلويات كلها مُحمّلة بالسكريات والمواد الحافظة والمضافات الكيميائية التي تهلك الجسد ببطءٍ وتدمنها الأجيال دون وعي ، وأن هذه المعايير الغذائية الصحية غابت على سلطات الرقابة الصحية والاقتصادية والبيئية ، وتاهت المسؤولية بين الوزارات ، وتحوّلت الأسواق إلى ساحات مفتوحة لكل أنواع الغش الغذائي والتهريب والتداول العشوائي دون أي التزام بمعايير الصحة العامة ، مما أدى إل انتشار أغذية الشوارع والمقاهي والمطاعم غير المرخصة التي تقدم منتجات مجهولة المصدر بلا إشراف ولا ضبط ، في ظل غياب ثقافة المستهلك وضعف دور الرقابة والتفتيش الصحي .
وأكد إنّ ما يحدث ليس مجرد خلل في السلوكيات الغذائية ، بل كارثة وطنية صامتة تُهدد الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي معًا ، فقد ساهم هذا التلوث الغذائي في انتشار الأمراض المزمنة والمناعية والمعدية والنادرة ، وتسبب في تزايد حالات التسمم الغذائي وضعف المناعة العامة وارتفاع معدلات السرطان والفشل الكلوي والكبدي ، وتحول الغذاء من مصدر للحياة إلى وسيلة للموت البطيء .
ونبه الاستشاري الليبي " أبوقرين " في المقال الذي تلقته ( وال) إلى أنه إذا لم تتدارك الدولة هذا الانهيار الصامت بإرادة حازمة ، وبمشروع وطني متكامل لحماية الصحة والغذاء ، فإنّ المستقبل سيكون أكثر قسوة ، داعيا إلى إطلاق استراتيجية وطنية موحدة تجمع بين وزارات الصحة والبيئة والزراعة والاقتصاد والرقابة ، وتعيد بناء منظومة السلامة الغذائية من البدرة والجذر إلى الثمرة ، ومن الحقل إلى الطبق ، وتفرض معايير الجودة والشفافية والمساءلة على الجميع ، كما يجب أن يُفعّل دور البحث العلمي والرقابة المجتمعية والإعلام الصحي التوعوي ، لترسيخ ثقافة الغذاء الآمن ، وفضح الممارسات الضارة ، وتمكين المواطن من حماية نفسه وأسرته بعلمه ووعيه ،
(وال)