( وال- متابعة ) : مستشفى الجلاء للولادة بطرابلس يواجه تحديات كبرى في التعامل مع حديثي الولادة لأمهات مهاجرات .
نشر بتاريخ:
متابعة وتصوير: ساسية اعميد، أميرة التومي (وال) .
طرابلس 24 يوليو 2025 م (وال) – تواجه المؤسسات الصحية الليبية تحديات كبرى في التعامل مع أوضاع المهاجرات والمهاجرين غير الشرعيين، خاصة النساء، وتحديدا اللائي هن في حالة وضع ومواليدهن وحديثي الولادة المحتاجين لرعاية صحية خاصة تتضمن عدة جوانب لضمان نموهم الصحي وتقديم التغذية السليمة والحماية من العدوى والتحصينات، في الحضانات وتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي، ناهيك عن اكتشاف حالات مصابة بفيروس نقص المناعة (الإيدز) والوباء الكبدي(الهيباتايتس)، وما يتطلبه مثل هذا الوضع من إجراءات لمنع انتشار هذه الأوبئة.
واستطلعت وكالة الأنباء الليبية (وال) الوضع في أكبر مراكز الولادة في العاصمة طرابلس، مستشفى الجلاء لأمراض النساء والتوليد، في مواجهته لواجباته الإنسانية كمؤسسة صحية لتوفير الرعاية اللازمة للمواطنات الليبيات وللمهاجرات غير الشرعيات على حد سواء، ورصدت بالأرقام المدونة في السجلات الرسمية، كعينة واحدة من عشرات المؤسسات الصحية في البلاد، ما يفند الادعاءات الباطلة الواردة في تقارير بعض المنظمات، منها منظمة أطباء بلا حدود، عن حرمان المهاجرين من الرعاية الصحية، وزيف أرقام منظمة الهجرة الدولية التي قدرت عدد المهاجرين واللاجئين في ليبيا بنحو 787,000 شخص خلال عام 2024.
وقال استشاري النساء والولادة، مدير عام مستشفى الجلاء لأمراض النساء والتوليد بطرابلس، الدكتور نادر الثليب، إن مؤسسته تعمل وفق الأسس المهنية الطبية والمبادئ الإنسانية مع حالات الولادة للمهاجرات غير الشرعيات وسط الظروف الصعبة والتحديات التي يفرضها وضع هؤلاء المهاجرات على المستويات الصحية والاجتماعية.
وأضاف الثليب في مقابلة حصرية مع وكالة الأنباء الليبية (وال) أمس الأربعاء، أن جل الحالات تأتي في حالة وضع أو على وشك الولادة فيتم استقبالها ومعاملتها معاملة حسنة وإدخالها الى صالة الولادة إلى أن تتم عملية الوضع ومتابعة المولود والأم ما بعد الولادة وإلى الخروج وتطعيم المولود.
وبسؤاله عن تسجيل المولود، أكد الثليب أنه يتم تسجيل الأم والمولود ونوعه والطبيبة التي أشرفت على عملية التوليد، ومنحه وثيقة ولادة يتم تسليمها عند الخروج إلا أنه كشف عن وجود حالات ولادة لمجهولي النسب تتم معاملتها وفق الإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات.
واستطرد مدير عام مستشفى الجلاء للولادة أن منظمات الأمم المتحدة المعنية العاملة في ليبيا باستثناء منظمة اليونيسيف في حالات تعد على أصابع اليد الواحدة، لم تتواصل مع المستشفى ولم تقدم أي دعم وكذلك الشأن بالنسبة لسفارات الدول المعنية.
وأكد الثليب أن مؤسسته تقدم الرعاية الطبية الكاملة للمهاجرات غير الشرعيات مشيرا إلى أن الاعداد وصلت في الربع الأول من العام الحالي إلى حوالي 18% غير أنه شدد على أن المشكلة تتعلق بحديثي الولادة وهي عملية مكلفة جدا فيما يتعلق بتوفير الحضانة ووضع المولود على جهاز التنفس الصناعي في بعض الحالات.
واطلعت (وال) على نسخة رسمية من التقرير السنوي لحالات دخول الأجانب من داخل وخارج طرابلس إلى مستشفى الجلاء لأمراض النساء والتوليد لسنة 2024 وكان عددها 1061 حالة فيما بلغ عدد الحالات في النصف الأول من سنة 2025 632 حالة من جنسيات مختلفة شملت، المغرب فلسطين، مصر، تونس، سوريا، السودان، التوغو، السنغال، أرتيريا، الصومال، بوركينا فاسو، سيراليون، العراق، اليمن، بنغلاديش، الجزائر، مالي، باكستان، النيجر، بنين، غامبيا، تشاد، نيجيريا، أثيوبيا، غينيا، غانا، الكوت ديفوار، لبنان، الكمرون.
وأوضح الاستشاري الليبي أن معظم الحالات التي تأتي إلى المستشفى تكون في الشهر الثامن أو السابع وتحتاج إلى الحضانة لفترة أسبوع أو عشرة أيام وحتى أسبوعين وهناك من استدعت حالته 45 يوما وهي عملية مكلف جدا مؤكدا وجود حالات بلغ الانفاق عليها ما بين ستين إلى سبعين ألف دينار.
وقال: "هنا نقع في مأزق عندما تأتي حالة ليبية ولا تحصل على حضانة نجد أنفسنا في مواجهة لوم مباشر من المريضة أو من زوج المريضة حيث تكون الحضانات مشغولة بأطفال أجانب إلا أننا مضطرون من واجبنا الإنساني قبولهم"، داعيا في هذا الصدد وزارة الصحة والسلطات المعنية إلى ضرورة تغطية هذه التكاليف.
واستطرد أن سفارات الدول المعنية في طرابلس لا تستجيب رغم القيام بإبلاغها مؤكدا أن مشكلة المستشفى ليست في الولادة الطبيعية حيث تبقى الأم 24 ساعة وتغادر، بل في حديثي الولادة الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة مكلفة مشيرا إلى أن المستشفى يتوفر على 25 حضانة منها 11 بها أجهزة تنفس صناعي وهذه سعة القسم التي قد تزيد قليلا.
وأشار الثليب في هذا السياق على سبيل المثال إلى أن حقنة (سيرفانتا انتراتراكيل) التي تٌعطى مباشرة إلى رئتي الرضيع من خلال أنبوب تنفسي متصل بجها التنفس الصناعي في وحدة العناية المركزة تبلغ تكلفتها 2000 دينار ليبي، وهذه الحقنة، يضيف الثليب، نعطيها للمولود من أم مهاجرة كما نعطيها للمولود الليبي من جانب إنساني.
وأضاف قائلا:" هنا تكمن الإشكالية حيث نجد أنفسنا مضطرين للتعامل مع الحالة تعاملا إنسانيا ... لا توجد لدينا أي مشكلة في التعامل الإنساني، لكن مازلنا نواجه مشكلة الإمكانيات والتمويل للتعامل مع حالات الولادة المبكرة والنزيف والخدج وغيرها".
وبسؤاله عن حالات مجهولي النسب قال الاستشاري الليبي:" نعم واجهتنا مثل هذه الحالات بدون أوراق ولا أي إثبات للهوية وواجهتنا مشاكل أخرى معقدة متصلة بحالات الإصابة بالوباء الكبدي والايدز حيث نقوم بتسجيلهم وتوثيقهم ويتم التبليغ عنهم ... ولكن للأسف تأتي المريضة لا تتحدث اللغة الإنجليزية ولا العربية فلا نعرف كيف نتعامل معها وتأتي وحيدة ليس معها أي شخص وتدخل للاستقبال وفجأة تلد ويأتي دكتور الأطفال ما إن يسحب لها الدم لإجراء التحاليل يجد لديها الايدز وهذه إحدى المشاكل التي نواجهنا مع الأطباء ومع عناصر التمريض وخاصة مع أطباء حديثي الولادة".
من جهته قال أخصائي حديثي الولادة، الدكتور حمزه شويخة، إن قسمه يعتبر من الأقسام الحيوية داخل المستشفى حيث يستقبل الأطفال المحتاجين إلي رعاية خاصة مثل الخدج وحالات صعوبة التنفس.
وأضاف أن مستشفى الجلاء يغطي طرابلس ومناطق أخرى من خارج العاصمة ويشمل الليبيين والجاليات الأجنبية والمهاجرين غير الشرعيين مشيرا إلى أن عدد المواليد الذين دخلوا لقسم حديثي الولادة وفق احصائيات 2024 بلغ 1800 طفل بينهم 400 كانوا محتاجين إلى أجهزة تنفس صناعي،17 في المائة منهم من المهاجرين غير الشرعيين.
وأوضح أن الحالات المتعلقة بحديثي الولادة لأمهات مهاجرات، معظمها من الخدج ويحتاجون بالتالي إلى أجهزة التنفس الصناعي، مشيرا إلى أن لديه في القسم حاليا طفل من أم سودانية منذ 36 يوما وزنه 800 جرام، وهو موجود على جهاز التنفس.
واستطرد قائلا "حاولنا التواصل مع منظمة اليونيسيف لكن دون جدوى ويضطر المستشفى من جانب إنساني أن يوفر الرعاية اللازمة لأي طفل من أم مهاجرة يحتاجها ونعامله معاملة الطفل الليبي ونتواصل مع مستشفيات أخرى لمن تستدعي حالته إجراء رنين أو عملية جراحية يتكفل بها مستشفى الجلاء".
وأشار إلى أنه من بين المشاكل التي تواجهه كطبيب مشكلة اللغة حيث لا تتكلم الأم العربية ولا الإنجليزية، ولا أستطيع متابعة الطفل بعد خروجه لأن الأم تأخذه ولا تعود للمراجعة لا لنفسها ولا للمولود.
ووثقت مراسلة لوكالة الأنباء الليبية بالصوت والصورة في مستشفى الجلاء حالة مواطنة من السودان لا يزال طفلها على جهاز التنفس منذ 13 يوما، وأخرى لمواطنة من نيجيريا أنجبت طفلة بصحة جيدة وغادرت إلى البيت لكنها عادت إلى المستشفى بعد أن أصيبت (الأم) بنزيف وتتلقى منذ خمسة أيام العلاج في المستشفى.
يُذكر أن ليبيا تُعتبر دولة استقطاب وعبور للمهاجرين غير الشرعيين من العديد من الدول الأفريقية وبعض الدول الآسيوية والعربية.
وينقسم هؤلاء المهاجرون إلى فئتين، فئة، هم الأغلبية، يقيمون في ليبيا، يعملون ويتقاسمون كافة الموارد والخدمات مع الليبيين ويحولون أموالهم إلى أسرهم في بلدانهم الأصلية، وفئة، هم الأقلية، يتحينون الفرصة للقفز إلى الضفة الأخرى من المتوسط، وقد تكون الأرقام التي تسوقها منظمة الهجرة الدولية تتعلق بهذه الفئة الأخيرة، حيث يُقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا بما يزيد عن 3 ملايين مهاجر قبل تدفق المهاجرين من السودان بعشرات الآلاف بسبب الحرب الأهلية التي تشهدها هذه البلاد.
(وال)