بسبب لهيب أسعارها وهشاشة ميزانياتهم : العائلات الليبية تستغنى عن اللحوم ضمن قائمة غذاءها اليومية .
نشر بتاريخ:
متابعة وحوار : محمد الزرقاني
طرابلس 29 مارس 2025 م ( وال) - حافظت أسعار اللحوم في السوق الليبي على الزيادة التي سجلتها في الأسبوع الذي سبق شهر رمضان وشارف على نهايته بمعدل تراوح بين 15 و20 في المائة ما يُنذر بأن الليبيين سيواجهون بعد شهرين ونيف تحديات أخرى وضغوطا متزايدة على ميزانياتهم الهشة جراء أسعار غير مسبوقة متوقعة لأضاحي العيد.
فاللحوم كانت حتى وقت قريب ضمن قائمة الغذاء الرئيسية للعائلات الليبية إلا أنها تحولت منذ العقد الماضي إلى شيء من الرفاهية بالنسبة للسواد الأعظم من الليبيين حيث يبلغ اليوم سعر الضأن والماعز (المحلي) ما بين 85 و90 دينارا للكيلوغرام، والإبل (المحلي) بـ 65 دينارا بالعظم و80 دينارا الهبرة، والبقر(المحلي) بـ 45 دينارا بالعظم و55 دينارا الهبرة، أما سعر الدجاج فتراوح ما بين 11.75 و14.5 دينارا للكيلوغرام الواحد.
تتراوح الأجور في ليبيا بعد اعتماد جدول المرتبات الموحد عام 2022، بين 950 دينارا في الحد الأدنى لها (حوالي 150 دولارا)، بسعر السوق السوداء التي تُهيمن على الاقتصاد الليبي وتُدمر حياة الليبيين على مرأى ومسمع من كافة المسؤولين المتصدرين للمشهد الليبي، (الدولار يساوي اليوم حوالي 6.5 دينار)، و1450 دينارا للموظف على الدرجة الثامنة (حوالي 250 دولارا) لجامعي + 4 سنوات خبرة)، و3000 دينارا (حوالي 450 دولارا) للموظف السامي على الدرجة 14، في دولة تسبح فوق بحيرات من النفط وساكنة لا تتعدى 7 ملايين نسمة.
وكالة الأنباء الليبية سلطت الضوء على أحد أغذية الإنسان التي تعتبر أساسية في تكوين وترميم أنسجة وخلايا الجسم، وتُساعد في تنشيط وظائف الجسم المختلفة من دماغيّة ودموية وهضمية، إلا أن معظم الليبيين تركوها بعد أن اشتعلت أسعارها بشكل كبير، في محاولة للكشف عن الأسباب من خلال استطلاع رأي بعض المواطنين والقصابين وتجار اللحوم ومسؤول من وزارة الزراعة والثورة الحيوانية.
قال محمد المرغني (70 عاما متقاعد من وزارة الإعلام بـ 950 دينارا، لم يُدرك جدول المرتبات الموحد)، إنه لم يعد يستطيع شراء اللحم لأسرته بسبب اشتعال الأسعار مبينا أن سعر الكيلو الواحد من لحم الضأن يعادل 3 أيام من راتبه التقاعدي.
وأوضح أنه يُضطر لشراء كمية محدودة من اللحم المجمد المستورد مرة واحدة أو مرتين على الأكثر في الشهر من سوق "بوستة" رغم أنه ليس مطمئنا لطريقة تخزينها ولا لكيفية استيرادها بسبب انتشار الفساد وغياب الدولة وأجهزتها الرقابية.
وبلغ سعر لحم البقر المجمد المستورد من البرازيل وعدة دول أخرى ما بين 32 و35 دينارا للكيلوغرام الواحد ويشهد إقبالا كبيرا من قبل المواطنين وأصحاب المطاعم والوجبات السريعة وبيوت إعداد الطعام الجاهز للمناسبات الاجتماعية التي انتشرت في البلاد وشركات التموين بأنواعها، في حين تراوح سعر لحم الخروف الأسترالي المجمد بين 33 و35 دينارا، وبلغ سعر صندوق الدجاج المستورد (10 كلغ صدر) خلال شهر رمضان، 165 دينارا بعد أن كان يساوي 140 دينارا في الأسبوع الأخير من شعبان.
وجاء في تقرير لمصرف ليبيا المركزي اطلعت عليه (وال) أن الاعتمادات المستندية لتوريد اللحوم الحية حتى نهاية نوفمبر2024 بلغت 423 مليون دولار، ما يمثل 4% من إجمالي الاعتمادات المستندية في حين ارتفعت قيمة واردات اللحوم المجمدة من 343 مليون دولار في عام 2022 إلى 520 مليون دولار في عام 2023.
ويرى رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الليبية للحوكمة، عبد الرحيم الشيباني، أن معظم المواطنين لا يستطيعون اليوم التكيف مع سلسلة التطورات المتلاحقة على أسعار المواد الأساسية، في حين يعتقد معظم التجار أنها ردة فعل طبيعية لموجة ارتفاع أسعار العملات الأجنبية التي يديرها مصرف ليبيا المركزي.
وقال خالد سليمان (48 عاما موظف يتقاضى 2250 دينارا في الشهر) أن الإرتفاع المطرد للأسعار بدأ يسبب له مشاكل اجتماعية يخشى أن تتطور إلى الأسوأ، نظرا لكون مرتبه لم يعد يكفي لتلبية احتياجات أسرته المكونة من أربعة أشخاص إلى جانب دفع قسط شهري للمصرف مقابل شراء سيارة اضطر لشرائها وبيعها بأقل من سعرها لتغطية نفقات علاج والدته قبل عامين.
وأرجع المستشار الفني بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية، لطفي محمد بكار، تناقص الثروة الحيوانية في ليبيا خلال السنوات الماضية إلى ارتفاع وتيرة التهريب جراء الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد بعد 2011 وتدهور سعر صرف الدينار الليبي إلى جانب شح التساقطات المطرية وتقلص مساحات المراعي في البلاد.
وأضاف بكار في تصريح لـ (الأنباء الليبية) أن عدم صرف ميزانية لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية لتغطية الباب الثالث (التنمية) ساهم كثيراً في عدم تمكن المركز الوطني لتنمية المراعي من القيام بمهامه التي تتركز على معالجة الاحتياجات الحيوية للمراعي ومتابعة تشجيرها وتوفير وحفر آبار الري وتوفير مضخات المياه.
وبين بكار أن الانتاج المحلي من لحوم الضأن لا يوفر إلا نسبة بسيطة من احتياجات السوق الليبي ما ترتب عليه الاتجاه إلى الأسواق العالمية التي شهدت مؤخراً ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الحبوب وهي المكون الرئيسي لصناعة الأعلاف البديلة عن المراعي الطبيعية لتغذية الحيوانات.
وكشف بكار أن الثروة الحيوانية في ليبيا بلغت، وفقا للإحصائية التي تضمنها التقرير العام للجنة السياسات الزراعية والثروة البحرية والصناعات الغذائية لسنة 2023، 3.9 مليون رأس من الأغنام، 1.08 مليون رأس من الماعز، 109 ألف رأس من الإبل، و120 ألف رأس من الأبقار.
وقال علي التائب (تاجر لحوم مجمدة) بمجمع الجديدة للمجمدات (الضاحية الشرقية لطرابلس)، إن من أبرز أنواع اللحوم التي يُوجد عليها إقبال كبير من المستهلكين هي لحوم الأبقار المستوردة من البرازيل، والخروف الأسترالي والدواجن المجمدة المستوردة من البرازيل وتركيا.
وأوضح التائب أن كمية الاستيراد داخل المجمع شهدت زيادة بسيطة في شهر رمضان بكمية تراوحت بين 50 إلى 60 طنا من اللحوم تقريباً بينما كانت كمية الاستيراد قبل شهر رمضان تتراوح بين 40 و50 طنا من اللحوم المجمدة، في حين وصل استيراد لحوم الدجاج المجمدة إلى ما يقارب الـ 40 طنا خلال شهر رمضان فيما كانت الكمية تقدر بـ 30 طن قبل شهر رمضان.
ورأى التائب أن كمية سحب اللحوم المجمدة من المجمع سجلت نقصا ملحوظا هذا العام مقارنة بالمواسم الماضية خلال شهر رمضا ن، وأرجع ذلك إلى ضعف القوة الشرائية للمواطن بسبب اشتعال أسعار كافة المواد الاستهلاكية الأساسية بينها اللحوم.
ويتساءل معظم الليبيين عن سبب التزام السلطات المسؤولة الصمت وعدم التدخل لضبط الأسعار في السوق الليبي ووضع حد لموجة الغلاء التي تعصف بالأسرة الليبية من خلال تبني خطط واقعية والبحث عن الأسباب ومعالجتها.
ورسم رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الليبية للحوكمة، عبد الرحيم الشيباني، صورة قاتمة للوضع الاقتصادي القائم في البلاد مؤكدا أن أية إصلاحات اقتصادية أو نقدية لن تنجح طالما استمرت الإيرادات خارج السيطرة.
وكان الشيباني حذر في تصريح سابق من أزمة خطيرة تهدد الاقتصاد الليبي في ظل عجز الايرادات واستمرار السحب من الاحتياطي النقدي وعدم وجود موازنة بسبب استمرار الانقسام السياسي إلى جانب الانفاق المبالغ فيه.
وتساءل الشيباني في هذا الصدد هل يملك المصرف المركزي الصرف من الاحتياطي بدون إذن من السلطة التشريعية ملاحظا أن السلطات التشريعية والتنفيذية فشلت إلى نهاية مارس في إقرار ميزانية للبلاد ما يجعل الباب مفتوحا أمام كافة الاحتمالات.
( وال)