Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

( وال – متابعة ) : أسواق المدينة القديمة طرابلس رغم صمودها عبر العصور تواجه اليوم تحديات التلاشي: سوق الترك مثالا.

نشر بتاريخ:

متابعة وحوار وتصوير: أميرة التومي – زهرة الفيتوري

طرابلس 27 مارس 2025 م (وال) - لا تزال الأسواق المنتشرة في المدينة القديمة بطرابلس واقفة تنبض بالحياة رغم توالي العصور والحضارات التي تعاقبت عليها منذ مئات السنين، وهي وجهة لكافة سكان العاصمة والضواحي المحيطة بها إلى اليوم رغم انتشار الأسواق المجمعة (المولات) والفضاءات التجارية الحديثة جراء تمدد المدينة وتضاعف عدد سكانها، ومقصدا لمعظم الزوار الذين يتوافدون على طرابلس، سواء من داخل ليبيا أو من الخارج.

كانت أسواق المدينة القديمة تفتح أبوابها صباحا وإلى ساعة متأخرة من الليل إلا أنها بدأت تقفل مع غروب الشمس منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي خاصة لما بدأ الكثير من سكان المدينة القديمة يهجرونها، وبينهم الكثير من التجار والحرفيين، لأسباب عدة منها تداعي الأبنية وتحسن الظروف المعيشية وثورة التطور العمراني التي شهدتها البلاد.

تعود الحياة الليلية إلى أسواق المدينة القديمة وساحاتها وشوارعها وأزقتها مرة كل عام طيلة شهر رمضان، وتحديدا إلى أسواق بيع الزي الشعبي التقليدي، أو ما يُعرف بالبدلة العربية والزبون، والملابس الجاهزة والأحذية، والألعاب، وسوق العطارين، إلى جانب إقامة ليالي رمضان التي يتم إحياؤها على الواجهة الشمالية للمدينة القديمة مقابل شاطئ البحر والميناء.

ورصدت دراسة تاريخية لمصلحة الآثار - مكتب إدارة المدن التاريخية - أعدتها الباحثة مفيدة محمد جبران، أن 33 سوقا تواجدت داخل أسوار المدينة القديمة على مر العصور هي، سوق الرحبة، (بطحاء لبيع الحبوب بمختلف أنواعها)، انتقلت عدة مرات خارج السور ثم إلى الأسواق الشعبية الأسبوعية، سوق الغنم، أقدم أسواق المدينة القديمة بالقرب من الرحبة، انتقل هو الآخر إلى خارج السور ثم إلى الأسواق الشعبية الأسبوعية، سوق فم الباب، تُباع فيه الحبال والجرار والقفف والأدوات الزراعية والقلال، سوق بين البابين، يُباع فيه الفخار وأقفاص الدجاج و(كتب) الإبل، سوق المشير، وهو سوق مفتوح، وتُباع فيه الملابس والخردوات والأقمشة، سوق القزدارة، تُصنع وتُباع فيه الأواني النحاسية، سوق العطارة، حاليا سوق الصاغة، وهو سوق مفتوح كانت تُباع فيه العطريات بجميع أنواعها والبخور والأعشاب الطبية والحناء وقفة العروس وكل ما يتعلق باحتياجات العروس والختان وحنوط الأموات(انتقل إلى باب الحرية)، السوق المحلي، سوق حديث البناء كان يُباع فيه الصوف ثم الأجهزة الإلكترونية، ويُباع فيه اليوم الذهب والفضة، خاصة الذهب المستعمل، سوق الصناعات التقليدية، سوق الصياغة، سوق الرباع القديم، كانت تُباع فيه في السابق المنتوجات التي تأتي من السودان منها ريش النعام والجلود، وحاليا تُباع فيه البدل العربية والأقمشة النسائية، سوق الرباع الجديد - اللفة – كانت تُباع فيه البسط والحمل والمرقوم، سوق الفنيدقة، المشهور بصناعة الأردية الحريرية، سوق الترك، تُباع فيه مختلف الأقمشة (تم اليوم تغيير نشاطه)، سوق الحرير، سوق الفرامل، سوق طريق الحلقة، تأتي إليه النساء لبيع الصوف وشراء الأردية الصوفية، سوق الحرًارة، يُعرف بسوق بئر الشامي، يشتهر بتجارة الأقمشة الحريرية والخيوط الحريرية إلى جانب الخردوات، سوق الدباغة، ويُعني بدباغة وبيع الجلد، سوق الخضار، سوق الحدادة، سوق الحلوادجية، متخصص في صناعة وبيع جميع أنواع الحلوى، سوق السروج، سوق الخرداجية، تُباع فيه الأشياء البالية من الحديد والخشب والمواد المنزلية، سوق السرارة وتُصنع فيه الأسرة والدواليب الخشبية، وبه جانب لحرفيين يصنعون خشب بندقية الصيد، سوق الغرابيل، سوق النعال، سوق الفخار، سوق الزنايدية، لصناعة وبيع بنادق الصيد، سوق الطباخة، سوق الجير، سوق الحزامات، سوق التركة، تُباع فيه الحصائر والقطران والحطب.

أسواق كثيرة اختفت مثل سوق الجير ، وسوق الرحبة لبيع الحبوب ، وسوق الغنم، وأخرى انتقلت إلى خارج أسوار المدينة القديمة مع تطور نسق الحياة قبل أن تستقر خارج السور ثم رحلت بعيدا إلى الضواحي قبل أن تستقر في أسواق أسبوعية في مختلف المدن.

 ورصدت مراسلة لوكالة الأنباء الليبية تجولت في مختلف أسواق المدينة القديمة القائمة اليوم، أن سوق الترك الذي كان ينبض بالحياة وتُباع فيه مختلف المفروشات والورغان والبطاطين والأقمشة والستائر وتجهيزات العروس ومستلزمات غرف النوم، كان آخر الأسواق التي فقدت هويتها وأصبحت أثرا بعد عين بعد أن سطا عليه تجار العملة والمضاربون في السوق السوداء وحولوه إلى بؤر لتدوير وتبييض الأموال المنهوبة والاضرار بالاقتصاد الوطني في وضح النهار، وفي خاصرة مصرف ليبيا المركزي المصدر الوحيد للعملة المحلية والعملة الصعبة المتأتية من بيع النفط.

وقال عضو مجلس الإدارة، مدير إدارة الاعلام والثقافة بجهاز المدينة القديمة، طرابلس، يوسف خليل الخوجة في تصريح لـ ( وال) إن سوق الترك تم تغيير نشاطه إلى سوق للتداول في العملة الصعبة وهو نشاط غير موجود في أسواق المدينة القديمة مشيرا إلى أن الجهاز ليس جهة ضبطية لوقف مثل هذه الأعمال وإنما مسؤولية منع التعدي على نشاط هذا السوق تقع على جهاز الحرس البلدي.

وأضاف الخوجة أن حرفة الصرافة غير موجودة داخل أسواق المدينة القديمة ولا يوجد ترخيص بذلك ، موضحا أن رئيس مجلس إدارة الجهاز كان أصدر قرارا بإلغاء جميع أنشطة الصرافة داخل المدينة القديمة بالكامل بعد أن أصبح الجميع يشتغل على تسويق الدولار.

وتابع أن الجهاز يعكف على إعداد تقرير حول الحرف الموجودة بالمدينة القديمة وعدد العقارات مؤكدا أن الجهاز يعمل حاليا على ترميم الأسواق وصيانتها وآخر المشاريع تحت التنفيذ تتعلق بإعادة تأهيل سوق الترك من حيث البنية والأسقف المتهالكة.

وقال الصحفي علي أحمد إن السطو على محلات سوق الترك وتغيير هويته ومعالمه جريمة في حق الموروث الليبي.

وأضاف في تصريح لـ (وال) أن تجار السوق السوداء استولوا عل محلات سوق الترك بالكامل بعد أن أغروا شاغليها السابقين من التجار والحرفيين بمبالغ خيالية مصدرها تبييض الأموال المنهوبة والمضاربة في العملة الصعبة، ولم يسلم منهم إلا جامع شايب العين ومبنى سينما النصر.

وتابع أن ما يُعرف بـ "تجار الحروب وتجار الصدفة" حولوا محلات هذا السوق التاريخي إلى واجهة لبنك اسطنبول وبنك دبي ورفعوا لافتات على واجهة المحلات تبين أن المعاملة تتم مباشرة مع هذين المصرفين، وإن كانت اللافتة عبارة عن ورقة عادية مسحوبة على ساحبة إلكترونية أو مكتوبة بخط اليد.

وأكد تاجر العملة (عبد الحميد)، وهو اسم مستعار نظرا لطلب المعني عدم الكشف عن هويته، لـ (وال)، أن الزبون لم يعد في حاجة أن يسافر إلى تركيا أو غيرها من الدول لصرف بطاقة مخصصاته من العملة الصعبة وإنما يأتي إلى المحل في سوق الترك ويسحب أمواله نقدا بالدولار أو الدينار الليبي كما يشاء مع خصم نسبة المصرف والمحل التي رفض الإفصاح عن قيمتها.

وتنتصب غير بعيد عن سوق الترك، في ميدان الساعة، بورصة في الهواء الطلق، في خاصرة مصرف ليبيا المركزي، المصدر الوحيد للعملة الصعبة في ليبيا، ينادي فيها تجار العملة أو ممثلوهم بأعلى أصواتهم عن بيع ما لديهم من الدولارات، وأصوات أخرى تعلن نية شراء كميات من الدولار، أصوات يتردد صداها في سماء المنطقة الممتدة من ميدان الساعة إلى زنقة الريح لتستقر في أذني محافظ مصرف ليبيا المركزي دون أن يُحرك ساكنا.

تتربع المدينة القديمة في طرابلس التي أسسها الفينيقيون في الألف الأول قبل الميلاد، بحسب المصادر التاريخية، على حوالي 48 هكتارا، بإطلالة مباشرة على البحر المتوسط يحيط بها سور شاهق به ثمانية أبواب، وتضم منازل وساحات والعديد من المباني التاريخية والأثرية التي لا تزال شاهدا حيا على مراحل ضاربة في أعماق التاريخ مرت بها المدينة منذ القدم، منها مساجد وكنائس ومعابد، وعشرات الأسواق مختلفة التخصصات والمصانع الحرفية والمشغولات اليدوية التقليدية، ومقرات سابقة لقنصليات العديد من الدول الأجنبية.

 (وال)