الانباء الليبية تفتح ملف الصحة النفسية وأثاره على المجتمع .
نشر بتاريخ:متابعة: أحلام الجبالي
ينغازي 01 ديسمبر 2024 م(وال) – تابعت صحيفة الانباء الليبية موضوع الصحة النفسية وتأثيره السلبي على السلوك الاجتماعي للمرضي ، مستعرضة بعض الحالات المرضية وأراء الأطباء والخبراء النفسيين في طرق العلاج .
واستهلت الصحيفة متابعتها بعرض بعض الحالات بالقول ( منذ تخرجه من كلية الطب، بدأ يظهر عليه تصرفات غريبة وغير مفهومة، " هكذا بدأت خديجة، الأم التي تبلغ من العمر 60عاما حديثها مع مراسلة الانباء الليبية، عن ابنها محمد البالغ من العمر 40 عامًا، الذي كان متفوقًا في دراسته، حتى تغيرت حالته بشكل مفاجئ، بدأت الأعراض تظهر تدريجيًا، خوف غير مبرر، شكوك غير منطقية، وحالة من الرعب الدائم ، فكانت العائلة تتساءل عما يحدث، معتقدة في البداية أن الأمر قد يكون بسبب الحسد أو السحر، لكنها كانت ترفض الاعتراف بأن ابنهم قد يعاني من اضطراب نفسي خوفًا من وصمة المجتمع.
وبعد عشر سنوات من المعاناة، توفي محمد بسبب مضاعفات المرض النفسي، بعد أن خضع لعلاج محدود كان يقتصر على الأدوية المهدئة، قصته تبرز واقعًا مريرًا لا يزال يواجهه عديد الأشخاص المصابين بأمراض نفسية في مجتمعنا.
- التوعية النفسية: ضرورة لا غنى عنها
ويشير الأخصائي النفسي والاجتماعي خالد عطية، إلى أن التوعية النفسية تعد من الأساسيات التي يجب أن نوليها اهتمامًا كبيرًا.، حيث قال: "عندما يولي الأفراد اهتمامًا للتثقيف النفسي، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على فهم أنفسهم وكيفية التعامل مع الضغوطات الحياتية والاجتماعية التي قد تؤثر سلبًا على صحتهم النفسية."
ويضيف عطية، أنه من خلال متابعة الملتقيات والندوات والدورات المتعلقة بالصحة النفسية، يتطور الوعي المجتمعي بأهمية حماية النفس وتجنب العوامل السلبية التي قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية. ورغم التحديات التي يواجهها المجتمع في قبول العلاج النفسي، فإن تزايد الوعي يعد خطوة هامة نحو التغيير.
- دور العيادات النفسية: الحماية والرعاية
في السياق نفسه، يوضح ، مدير الشؤون الطبية بمستشفى الأمراض النفسية الهواري بنغازي سعد المشاي، أن العيادات النفسية لا تقدم فقط العلاج، بل تمثل ملاذًا حيويًا للعديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
وأضاف المشاي قائلا "عام 2023، استقبلنا أكثر من 23,000 حالة، من بينها 8,450 حالة في بنغازي فقط، ورغم تحسن حالة بعض المرضى، يعاني الكثير منهم من رفض عائلاتهم لاستلامهم بعد تعافيهم، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا للعلاج والرعاية."
ويرى مدير الشؤون الطبية بالمستشفى، أن دعم العيادات النفسية بمزيد من الإمكانيات والموارد يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استمرارية العلاج الفعّال.
بدورها تحدثت مريم، التي تبلغ من العمر 30 عامًا، لمراسلة "الأنباء الليبية" بصوت يملأه الحزن والقلق، قائلة: "أحضرني أخي إلى هنا، وهو لا يريد أن يعيدني إلى المنزل، لا أفهم لماذا تركني هنا، أريد العودة إلى بيتنا، إلى المكان الذي كنت أشعر فيه بالأمان، أريد العودة إلى بيت أمي وأبي".
وتابع مريم حديثها: "وضعني أخي هنا حتى أتناول الدواء، وأنا الآن أتناول العلاج وأسمع كلامهم، لكنني لا أريد أن أبقى بعيدًا عنهم، لماذا لا يأتي ليأخذني؟ لماذا لا يأخذني إلى منزلنا؟ لا أستطيع أن أفهم لماذا تركني هنا، أنا بحاجة إلى أن أعود إلى هناك، إلى بيتنا، إلى حيث كنت أشعر بالراحة".
مريم، التي تعاني من اضطراب نفسي، تم إحضارها إلى مستشفى "الهواري" للأمراض النفسية من قبل شقيقها، ورغم أنها خضعت للعلاج وأصبحت حالتها الصحية مستقرة، فإن مشاعرها في هذا المكان غارقة في الحزن والوحدة، إذ لا تزال تفتقد دفء المنزل ووجود عائلتها بجانبها ، وهي الآن تتناول أدويتها وتواصل العلاج، لكن لا يزال قلبها يحن إلى ذلك المكان الذي تركته وراءها، وعند التواصل مع أخيها، لم يصل بعد، ومريم لا تزال في المستشفى، تتمنى العودة إلى بيتها حيث كانت تشعر بالأمان والحب.
- دور المؤسسات المجتمعية والإعلامية: التوعية والتثقيف
وفي هذا الصدد، أكدت، المتخصصة في البحوث والدراسات الاجتماعية إلهام دبوب، على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات المجتمعية والإعلامية في نشر الوعي النفسي، قائلة : "المؤسسات التعليمية والإعلامية يجب أن تتعاون لتعزيز التثقيف النفسي بين أفراد المجتمع، من خلال برامج توعية وندوات داخل الجامعات والمؤسسات التعليمية، يمكن توفير بيئة صحية تحافظ على الصحة النفسية للطلاب والموظفين على حد سواء".
وأضافت دبوب، أن وسائل الإعلام يمكنها أن تلعب دورًا كبيرًا في تغيير المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول الصحة النفسية، من خلال تقديم محتوى توعوي يساعد في إزالة الغموض عن الاضطرابات النفسية، ويشجع على العلاج النفسي بدلًا من الخوف منه.
التحديات والمفاهيم المغلوطة: دور الخطاب الديني
أحد أبرز العوامل التي تؤثر على تقبل العلاج النفسي في مجتمعاتنا هو الخلط بين الأعراض النفسية والأعراض الروحية مثل السحر والمس، هنا، يبرز دور الخطاب الديني في توجيه الأفراد نحو الفهم الصحيح للصحة النفسية، "الخطاب الديني يجب أن يكون قائمًا على أسس علمية دقيقة، مع التأكيد على أن الأمراض النفسية ليست علامة على الضعف أو نقص الإيمان، بل هي اضطرابات تحتاج إلى علاج وتفهّم"، كما يشير بعض الخبراء، إذا تم معالجة هذا الخلط، يمكن للمجتمع أن يتقبل أكثر المرض النفسي كجزء من الصحة العامة.
- خطوة نحو المستقبل
وفي خطوة هامة نحو دعم الصحة النفسية في المجتمع، أعلن ، رئيس اللجنة الاستشارية بمكتب الخدمات الاجتماعية بجامعة بنغازي عبدالله المصراتي ، عن افتتاح عيادة نفسية اجتماعية تقدم خدمات الإرشاد والدعم النفسي لجميع منتسبي الجامعة.
وقال المصراتي: "كان الهدف من هذه المبادرة رصد المشكلات النفسية والاجتماعية في البيئة الجامعية ومعالجتها بطريقة شاملة. ورغم أن الخدمة لم تشهد طلبًا كبيرًا في البداية، إلا أن الطلب بدأ يزيد تدريجيًا بفضل الجهود المستمرة من الأساتذة." وأكد المصرتي أن هذه الخدمة تهدف إلى خلق بيئة صحية تساعد في معالجة القضايا النفسية التي قد يواجهها الطلاب والأساتذة.
-نحو مجتمع أكثر وعيًا
وتختتم الصحيفة متابعتها بالتأكيد على إن الحاجة إلى تعزيز الوعي النفسي ودعم العيادات النفسية لم يكن يومًا أكثر إلحاحًا من الآن، يتطلب الأمر تكاتف الجهود بين جميع مؤسسات المجتمع، من الصحة والتعليم والإعلام، للقضاء على وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية وتوفير الدعم المطلوب للمحتاجين، عبر التوعية المستمرة، يمكن أن نحقق بيئة صحية تحترم قيمة النفس وتدعمها، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر صحة واستقرارًا نفسيًا.
(وال)