خبير نفط ليبي لـ (وال) : نية منح القطعة (م ن 7) لشريك أجنبي يشوبها الفساد وتحقيق مكاسب سياسية .
نشر بتاريخ:حوار / ساسية اعميد .
تصوير فتحي شلفيط .
طرابلس (وال) - أفاد خبير النفط الليبي، أحمد عبد الكريم، بوجود عمليات يشوبها الفساد تضر بالمصلحة العامة وبحقوق الشعب الليبي في التعامل مع الإحتياطات النفطية وتطوير الحقول النفطية المكتشفة في ليبيا.
وأضاف عبد الكريم في مقابلة مع وكالة الأنباء الليبية في عطلة نهاية الأسبوع أن مجموعة من خبراء النفط الليبيين المتقاعدين رصدوا في هذا الشأن وجود عملية لمنح القطعة المعروفة تحت إسم (م ن 7) في منطقة الحمادة، غرب ليبيا، تحتوي على ستة (6) حقول مكتشفة منذ ستينيات القرن الماضي فيها احتياطات كبيرة من النفط والغاز والمكثفات، يغلب عليها الغاز، إلى إئتلاف شركات أجنبية يضم، إیني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وأدنوك الإمارتية وشركة الطاقة التركية، لاستثمارها.
وأضاف أن هذه القطعة تعتبر من الإحتياطات الليبية المهمة جدا ومدرجة في خطة التطوير بقطاع النفط الليبي، ولم يكن في سياسات واستراتيجيات الدولة الليبية عرضها للمشاركة مع أي طرف أجنبي لأن بها 73 بئرا نفطيا وغازيا محفورة منها حوالي 39 بئرا منتجة.
وكانت أنباء ترددت نهاية ديسمبر 2023 عن اعتزام المؤسسة الوطنية للنفط المضي في الإجراءات الممهدة لإبرام عقد تطوير حقل (م ن 7) بالحمادة الحمراء مع ائتلاف شركات أجنبية.
وطالبت النيابة العامة في رسالة أشارت فيها إلى بلاغ من وزير النفط والغاز، وتابعتها وكالة الأنباء الليبية، المؤسسة بوقف المفاوضات الممهدة لإبرام العقد حتى صدور قرار قضائي فاصل في تحقيق انتظام إجراءات التعاقد.
من جهته أكد مجلس النواب رفضه اعتزام المؤسسة الوطنية للنفط التوقيع على اتفاقية استثمار لحقل الحمادة الحمراء مع بداية 2024.
وكشف المجلس في بيان في نهاية ديسمبر الماضي بناء على مذكرة من فريق الخبراء الليبيين أن تلك الاتفاقية تشمل التنازل عن نسبة من إنتاج الحقل لصالح ائتلاف شركات أجنبية.
وحذر المجلس حكومات الدول المعنية من التورط في استغلال الظروف التي تمر بها ليبيا لأجل "نهب ثرواتها والابتزاز من أجل صفقات يشوبها الفساد وتلحق الضرر الجسيم بالإقتصاد الليبي".
وأشار المجلس إلى أن خبراء النفط دعوا إلى وقف هذه الصفقة التي اعتبرها "مشبوهة وذات طابع سياسي"، وشدد على ضرورة "عدم المساس بالثروات السيادية وذلك لحمايتها من التلاعب أو التنازل عنها مقابل صفقات سياسية من قبل أي حكومة أو طرف وذلك إلى حين انتخاب سلطة تنفيذية من الشعب".
وأوضح الخبير الليبي الذي شغل عدة مناصب في قطاع النفط منها رئيس المؤسسة الوطنية للنفط ورئيس مجلس إدارة، ومدير عام، لعدة شركات نفطية على مدى أكثر من ثلاثة عقود، أنه تم في الآونة الأخيرة ربط حقل الشرارة من أوباري إلى الزاوية وربط حقل الوفاء إلى مليتة وبالتالي أصبحت خطوط نقل النفط والغاز قريبة من القطعة (م ن7) وأصبح مردودها الاقتصادي عالي جدا.
واستطرد أن شركة الخليج عرضت عام 2021 برنامجا لتطوير القطعة بحوالي 1.035 مليار دولار يمتد من أربع إلى خمس سنوات يتم في نهايته إنتاج في حدود 30 ألف برميل من النفط يوميا وتسعة آلاف برميل من المكثفات و248 مليون قدم3 من الغاز مؤكدا أن هذا الحقل اقتصادي جدا حيث لا تتعدى تكاليف تطويره بأسعار اليوم، في العام 2024، مبلغ 1.225 مليار دولار.
وشدد الخبير الليبي على أن هذا الحقل سطحي واحتياطاته مؤكدة، لا يتطلب تقنيات معقدة، الجزء الأكبر من الآبار محفورة وجاهزة للربط، والأموال المطلوبة لتطويره متواضعة (1.225 مليار دولار 40 في المائة منها بالعملة المحلية)، يتم استردادها بعد 10 أشهر فقط من الإنتاج في ظل الأسعار الحالية وخلال 15 شهرا لو تراجعت الأسعار قليلا ثم يبدأ في تغطية مصاريفه وجني الأرباح، لا تُوجد أية مخاطرة فيه ويمتلك الليبيون الخبرة الكافية لتطويره، متسائلا باستغراب: كيف يُعقل إذا أن يتم مشاركة أطراف أجنبية في هذا الحقل.
واستطرد عبد الكريم أنه بناء على هذه المعطيات المؤكدة وبالنظر إلى أهمية الحقل وحفاظا على ثروة الليبيات والليبيين قرر فريق من الخبراء الليبيين إعداد مذكرة مفصلة ورفعها إلى كافة السلطات التشريعية والقضائية والرقابية في ليبيا مؤكدا أن تلك السلطات استجابت مشكورة حيث عقد الفريق معها سلسلة اجتماعات قدم خلالها معلومات إضافية خلُصت إلى التأكيد على وجوب تطوير الحقل بالإمكانيات المحلية الليبية.
واطلعت وكالة الأنباء الليبية على نُسخ من الرسائل والمذكرات التي أرسلها فريق الخبراء إلى السلطات المعنية منها مجلس النواب والنائب العام واللجنة الفنية الحكومية.
وجاء في رسالة فريق الخبراء الليبيين المتقاعدين المؤرخة في 15 يناير 2024 إلى اللجنة الفنية المشكلة من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية وتفحصت(وال) نسخة منها، أن الفريق اطلع على التقييم الاقتصادي لتطوير الاكتشافات النفطية والغازية بالقطعة (م ن 7) بالحمادة، حوض غدامس، المقدم من المؤسسة الوطنية للنفط الذي تم اعداده في مارس 2023، وخلُص إلى وجود تباين كبير في تقدير الاحتياطيات النفطية والغازية حيث تبنت المؤسسة الوطنية للنفط استعمال الحد الادنى من احتياطي النفط والغاز في هذه الدراسة وهو 104 مليون برميل من النفط والمكثفات والحد الادنى من الغاز وهو 2.387 ترليون قدم مكعب بينما أهملت الحد الأعلى من الاحتياطي من النفط والغاز وهو 230 مليون برميل من النفط و5.999 ترليون قدم مكعب من الغاز.
وأشارت الرسالة إلى أنه من المعتاد في مثل هذه الدراسات الاقتصادية أن يتم استعمال المتوسط العام بين الحد الأدنى والحد الأعلى، ولم يتم الاستفادة من تقديرات شركة الخليج العربي صاحبة القطعة والأكثر دراية بالإمكانيات النفطية والغازية للقطعة.
ولاحظت الرسالة أنه تم تضخيم الميزانية الاستثمارية اللازمة لتطوير المشروع التي قُدرت بـ 3.91 مليار دولار أمريكي بينما قدرته شركة الخليج بـ 1.035 مليار دولار سنة 2021، ولم توضح الدراسة كيفية الوصول الى هذا الرقم (3.91) مليار دولار وفى نفس الوقت ورد بالجداول التحليلية للتدفقات النقدية للمؤسسة بأن الميزانية المطلوبة للتطوير في حدود 1.240 مليار دولار موزعة على الـ 5 سنوات الأولى.
ورصدت الرسالة أيضا أن التقييم الاقتصادي في تقرير المؤسسة الوطنية للنفط يفيد بأنه سبق لها (المؤسسة) طرح الموضوع على المجلس الأعلى للطاقة في اجتماعه الثالث يوم الاربعاء 29 مارس 2023 بميزانية اجمالية قدرها 6.0 مليار دولار تشمل كامل الميزانية الاستثمارية والميزانية التشغيلية خلال عمر المشروع - والمبالغ فيها اصلا وأن حصة المؤسسة فيها 3.6 مليار دولار- مؤكدة أنه بهذا الخلط في الأرقام وتضخيمها اتخذ المجلس الاعلى للطاقة مبدأ المشاركة مع الشركات الاجنبية.
وشددت الرسالة على ضرورة تطوير هذا الحقل بالإمكانيات الذاتية الوطنية وعدم إدخال أي شريك أجنبي والتحكم في الإستفادة من إنتاج الحقل وعدم الاضطرار إلى شراء الغاز من الشريك الأجنبي وفق الأسعار العالمية، مبينة أن العملية ليست معقدة ومقدور عليها بالخبرات والمؤسسات المحلية إذا توفرت الإرادة السياسية والنوايا الوطنية.
وخلُصت الرسالة إلى أنه إذا كانت المؤسسة مستعدة لتوفير 3.6 مليار دولار حصتها في المشاركة المقترحة فمن باب أولى ومن الأسهل والأجدى لها بكل الطرق توفير متطلبات التطوير الأساسية (1.240 مليار دولار) على مدى 5 سنوات بما فيها تمويل عمليات الإنتاج خلال السنة الأولى كما ورد بأرقام دراسة المؤسسة الوطنية للنفط نفسها وبعدها يتم الصرف على القطعة من عوائد انتاجها.
وأكد عبد الكريم أن فريق الخبراء يقدر أن إنتاج النفط من الحقل (م ن 7) سيكون بمعدل 30 ألف برميل على مدى 15 عاما قبل أن يبدأ في التراجع، وأن إنتاج الغاز سيستمر لمدة 50 عاما، مشيرا إلى أن دخل هذا الحقل سيتراوح بين 1.6 مليار و3.0 مليار دولار بحسب الأسعار العالمية للنفط والغاز.
وأضاف أن هذا الحقل يجب أن يحظى بالأولوية في مجال الإستثمار وهو معروف لدى خبراء النفط منذ 30 عاما على أساس تطويره في الوقت المناسب مؤكدا أن هذا هو الوقت المناسب لتطوير الحقل بالإمكانيات الذاتية الليبية.
وأشار خبير النفط الليبي إلى أن المسؤولين الذين يعتزمون منح المشروع بالمشاركة مع الأجنبي تحججوا بعدم وجود الأموال اللازمة لتطوير الحقل واصفا هذه المبررات بالواهية ولا أساس لها ومؤكدا أن ليبيا لديها الإمكانيات في المؤسسات الإستثمارية وفي المصارف، وإذا صدقت النوايا بالإمكان توفير المبلغ على مدى أربع سنوات واسترجاع قيمة الإستثمار في فترة بسيطة لا تتعدى العام ونصف العام بحسب أسعار النفط.
وقال إن الإصرار على منح حقل الحمادة الحمراء إلى شريك أجنبي يُعتبر تفريطا كبيرا في مصالح ليبيا الوطنية وحقوق الشعب الليبي وليس له إلا تفسير واحد وهو تحقيق مكاسب سياسية على حساب مصالح الدولة والشعب الليبي، داعيا السلطات المختصة إلى ضرورة وضع خطة سريعة لتطوير الحقل بالإمكانيات الذاتية للحصول على دخل إضافي وتوفير الغاز لاستهلاك السوق المحلي في توليد الكهرباء وتشغيل مصانع الإسمنت والحديد في ليبيا، وتصدير الفائض إلى أوروبا من خلال خط "الدفق الأخضر" الممتد من مليتة في غرب ليبيا إلى صقلية في إيطاليا.
وشدد عبد الكريم على أن الخبرات الليبية في مجال النفط قادرة على تطوير هذا الحقل الذي يعتبر حقلا تقليديا وأن قيمة الإستثمار ستمتد على مدى أربع سنوات بواقع 300 مليون دولار في العام لتصنيع المعدات وربط الخطوط وبناء المقرات والمكاتب والطرق والمخازن ومحطة الكهرباء ومحطة التحلية والمطار مؤكدا أن ليبيا سبق وأن قامت بتطوير عشرات الحقول المماثلة لحقل الحمادة وتمتلك خبرة واسعة في هذا المجال إلى درجة أن الكثير من المهندسين الليبيين يعملون في دول الخليج منها الإمارات وقطر.
واستطرد خبير النفط الليبي أن ليبيا تتوفر على قانون للنفط يُعتبر من أفضل القوانين يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، واستطاعت الصمود خلال فترة المقاطعة الأمريكية وتعاملت باحترافية مع كافة الشركات ووقعت مع الشركات الأمريكية ما يُعرف باتفاقيات وقف النفاذ المشهورة في العالم والتي تُدرس في الجامعات اليوم، مشيرا في هذا الصدد على سبيل المثال إلى أن مجموعة شركة الواحة الأمريكية عندما انسحبت بسبب المقاطعة الأمريكية وعادت بعد 18 عاما دفعت مقابل عودتها، غير أنه تأسف لوجود تصرفات في قطاع النفط الليبي اليوم تُخالف القانون من بينها منح المشاريع بالتكليف المباشر.
وقال عبد الكريم في سياق متصل إن التكليف المباشر إجراء تلجأ إليه الدول في أضيق الحدود ولا يتم إلا بموافقة رئاسة مجلس الوزراء، ويتعلق بالأعمال الصغرى وليس بالأعمال الكبرى التي تنفذ وفق لائحة العقود الإدارية على خلفية عطاء ممارسة ملاحظا أن الشفافية انتفت في كل مشاريع النفط وهو أمر أزعج خبراء النفط المتقاعدين في ليبيا الذين تعودوا على إدارة هذا القطاع الحيوي وتنفيذ الأعمال بطريقة احترافية وليس من خلال منح أعمال لشركات تنعدم لديها الخبرة بالتكليف المباشر ما يُعتبر مخالفة لقواعد الشفافية ولكافة القواعد المهنية.
وأضاف يقول:" إن الخبراء لاحظوا منذ تولى مصطفى صنع الله رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط وجود انحراف في الأداء العام وقاموا بتوجيه مذكرة للمؤسسة أكدوا فيها على أن التصرفات الجارية مخيفة وتضر بالمصلحة العامة".
وضرب مثلا على ذلك بمنح حقول صغيرة إنتاجها أقل من خمسة آلاف برميل للقطاع الخاص الليبي منها حقل لطيف وحقل سلطان، مشيرا إلى أن عملية العطاء التي ينطبق عليها قول (كلمة حق أريد بها باطل)، تمت بدون الإعلان عنها ومُنحت المشاريع لأسماء معينة خارج الأطر المتعارف عليها للشفافية ما يعني وجود انحراف خطير في القطاع بغض النظر عن النوايا.
وكشف عبد الكريم أن ليبيا بها اكتشافات كبيرة للغاز منذ عقود إلا أنه جرى قفلها لأن الغاز لم يكن مطلوبا في تلك الفترة أما الآن أصبح الطاقة الأولى في العالم التي يسعى إليها الجميع باعتبارها طاقة نظيفة ناهيك عن أن محطات توليد الكهرباء في ليبيا تعمل بالغاز ولدى ليبيا إمكانيات وقدرات فنية عالية في مجال النفط والغاز إلا أن الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد اليوم بات يهدد قطاع النفط والغاز الذي يُعتبر عصب الاقتصاد الليبي ومصدر قوت الليبيات والليبيين ومستقبل أبنائهم.
وشدد على أن فريق الخبراء الذي يضم وزراء بترول ورؤساء مؤسسة سابقين ورؤساء شركات ومدراء مشاريع وحقول نفطية تحركوا من واجب وطني لأنهم يدركون أهمية هذا القطاع لوجود الدولة الليبية واستمرارها تاركين ما قد يتعرضون إليه من مضايقات خلفهم بما في ذلك سلامتهم الشخصية وقارعوا المسؤولين بالحجة، منهم النائب العام الذي استدعى الفريق وحقق مع كل فرد فيه، ومجلسا النواب والدولة والرقابة الإدارية وجهاز الشفافية ومكافحة الفساد، مؤكدا في هذا الصدد أن الفريق اجتمع مع أكثر من 80 نائبا تولوا الضغط على رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح لإصدار الرسالة التي تمنع المؤسسة الوطنية للنفط من إتمام الصفقة الخاصة بالقطعة (م ن 7) في الحمادة الحمراء.
ودعا الخبير النفطي الليبي في ختام المقابلة إلى أهمية الحفاظ على الاحتياطات والموارد الليبية من خلال المحافظة على الحقول النفطية والغازية التقليدية بانتهاج سياسة الإنتاج الآمن لضمان إستمرارية الإنتاج، وتطوير الحقول المكتشفة الجاهزة بالإمكانيات الذاتية مؤكدا أن ليبيا لديها مكانة دولية كدولة منتجة للنفط في منطقة حوض المتوسط ولديها خبراء مشهود لهم بالكفاءة وخبرات تراكمية في مجالات النفط والغاز استطاعت التعايش مع سنوات طويلة من المقاطعة والحظر الأمريكي وخرجت منه بسلام رغم أنها تفتقر إلى الدعاية والإعلام المهني المتخصص في مجال النفط.
وال..