مدير مستشفى الرازي لـ (وال) : إعصار درنة زاد من حالات الإصابة بالأمراض النفسية في ليبيا .
نشر بتاريخ:تقرير خاص/ أميرة التومي .
طرابلس (وال) - يُعاني واحد من بين كل عشرة أشخاص على المستوى العالمي من اضطرابات الصحة النفسية بحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات يتعرضون لانتهاك حقوقهم الأساسية ويتم نبذهم من المجتمع وحتى من أسرهم في بعض المجتمعات ولا يصلون إلى الخدمات الصحية والرعاية اللازمة إلا في حالات ضيقة.
وتتبعت مراسلة لوكالة الأنباء الليبية هذا الملف المهم من خلال مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بطرابلس حيث التقت مدير هذه المؤسسة المختصة الدكتور محمد المبروك غوار الذي أفاد بأن مستشفى الرازي يُعتبر من أكبر المستشفيات الليبية في الأمراض النفسية يغطي أكثر من 65 في المائة من مساحة ليبيا الاجمالية ابتداء من شرق مدينة إجدابيا (حوالي 800 كلم شرق طرابلس) إلى المنطقتين الغربية والجنوبية بالكامل.
وأوضح أن المستشفى يتكون من خمسة أقسام للنساء وقسمين للرجال وقسم الضيافة، وهو قسم الحالات الحرجة، وقسم ابن سيناء، وهو قسم متصل بالشأن الجنائي ويأوي حالات ضبطية وحالات مُحالة من مؤسسات الإصلاح والتأهيل ومن المحاكم والنيابات لعلاجها وإبداء الرأي فيها من ناحية الإصابة بأمراض نفسية وعصبية.
وأضاف غوار أن (الرازي) يأوي حاليا في حدود 182 نزيل مقيمين في المستشفى مشيرا إلى أن الطاقة الاستيعابية لهذه المؤسسة تصل إلى 400 نزيل إلا أنه نظرا لنقص عناصر التمريض اكتفى المستشفى باستيعاب 182 حالة فقط.
وقال إن الحالات التي تتردد على مختلف أقسام الصحة النفسية والاجتماعية واختبارات الذكاء في المستشفى في الأيام العادية تتراوح ما بين 200 الى 250 حالة يوميا.
وتسببت الحروب التي شهدتها ليبيا بعد 2011 في زيادة عدد الإصابات بالأمراض النفسية والعصبية بشكل كبير حيث أجبرت هذه الحروب عشرات الآلاف من الليبيات والليبيين على النزوح من بيوتهم وواجه الكثير منهم، رجالا ونساء وأطفالا ومسنين، اضطرابات نفسية منها القلق والإكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة.
وتُعد الحروب في أي مكان بالعالم سبباً رئيسياً في تفاقم الأمراض النفسية، وليبيا ليست استثناء، حيث زادت نسبة المرضى، بحسب المختصين، بعد عام 2011 بشكل كبير في البلاد كنتيجة مباشرة للحروب بين مختلف الجماعات المسلحة وتفاقمت الضغوط والمعاناة التي واجهتها الأسر الليبية جراء عدة عوامل مصاحبة لتلك الحروب منها انعدام السيولة وأزمات انقطاع الكهرباء صيفا وشتاء وشح الوقود والخوف من المجهول.
وتقول بعض التقارير المحلية والدولية التي اطلعت عليها وكالة الأنباء الليبية أن الشريحة الأكبر التي عانت من هذه الأمراض كانت من المدنيين بسبب مواجهة مخاطر الحرب إلا أنه لا توجد أية احصائيات رسمية مؤكدة حول أعداد المصابين بأمراض نفسية على مستوى ليبيا، وهي ظاهرة تكاد تطال كافة المؤسسات.
وكانت ليبيا شهدت زيادة في الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية بشكل ملحوظ في ثمانينيات القرن الماضي بسبب ما عُرف بحرب تشاد التي امتدت لعدة سنوات، خاصة في صفوف أسرى الحرب في السجون التشادية الذين تم تحريرهم بعد الإطاحة بنظام الرئيس التشادي حسين حبري في مطلع تسعينيات القرن الماضي وعادوا إلى البلاد.
وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية فإن واحدا من كل خمسة أشخاص ممن يعيشون في المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات مسلحة يصابون باضطرابات أو أمراض نفسية، وهو وضع عاشته ليبيا ولا تزال تواجه مخاطر تجدده في ظل استمرار الإنقسام السياسي.
واستطرد غوار أن مستشفى الرازي يتوفر على لجان مصاحبة تشكلت عن طريق إدارة المستشفى لإعداد تقارير الحاصلين على معاشات التضامن والمعاشات الأساسية وأبرز هذه اللجان اللجنة الطبية الجنائية، وهي الوحيدة على المستوى الوطني.
وأوضح أن المستشفى له العديد من الارتباطات مع الجهات الأخرى مثل وزارات العدل والداخلية والشؤون الاجتماعية والحكم المحلي تحت مظلة وزارة الصحة.
وحول توفر الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية والعصبية قال غوار إن الإمداد الطبي هو المسؤول الأول والأخير على توفير الأدوية التخصصية لكل المستشفيات العاملة في ليبيا من بينها مستشفى الرازي.
وأعرب في هذا الخصوص عن الأسف في نقص الأدوية في بعض الحالات ما يجعل المستشفى غير قادر على تقديم الخدمات على الوجه المطلوب سواء للنزلاء أو المترددين مشيرا إلى وجود تقصير كبير في إمداد المستشفى بالأدوية اللازمة ولا يُعرف مصدر الخلل بالضبط هل هو في إدارة الصيدلة أم في جهاز الإمداد الطبي أو في جهات أخرى مثل مصرف ليبيا المركزي.
وأكد مدير مستشفى الرازي أن إدارة المستشفى حرصت على إقامة فضاءات للترفيه للمساعدة في علاج النزلاء في إطار بيئة طبيعية إلى جانب دعم المستشفى بعيادات متخصصة لتقديم الخدمات الطبية للنزلاء دون الحاجة إلى نقلهم خارج المستشفى منها عيادات الأورام، السكري، العيون والأنف والأذن والحنجرة.
وتتوفر ليبيا قبل عام 2011 على ثلاث مستشفيات للأمراض النفسية والعصبية، هي الرازي في طرابلس، والهواري في بنغازي وآخر في سبها إلا أنه تم قفله بعد عام 2011.
وشدد د.غوار على أهمية إنشاء مستشفيات جديدة على المستوى الوطني متخصصة في معالجة الأمراض النفسية لاستيعاب الحالات المتزايدة نتيجة الأوضاع التي مرت بها البلاد مشيرا إلى أنه تم رسم خطة متكاملة أحيلت إلى المسؤولين لإنشاء مثل هذه المستشفيات ومراكز لعلاج الإدمان.
وجاء في دراسة أعدها مركز (البارومتر العربي) عام 2020 أن سكان الحضر في ليبيا هم الأكثر معاناة من التوتر بسبب ضغوط حياة المدينة بواقع 36 في المائة وسجلت الدراسة أن احتمالات معاناة سكان الريف من التوتر في ليبيا قد تزيد بسبب فقدان الفرص والمصاعب الاقتصادية المحتملة.
وتقول الدراسة بخصوص حالات الاكتئاب أن 23 في المائة من الليبيين الذين استطلعت آراؤهم أبلغوا أنهم يعانون منه لأسباب متعددة أبرزها تفاقم الأوضاع المعيشية وانعدام الأمن والإستقرار.
وأشار غوار إلى أن الفيضانات والسيول التي ضربت مدينة درنة ومدن الجبل الأخضر عموما في سبتمبر الماضي وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا وخلفت دمارا واسعا في الممتلكات العامة والخاصة زادت من حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية في هذه المنطقة مشيرا إلى أنه تم حصر حوالي 700 حالة بعد هذه الكارثة مباشرة من خلال المستشفى الميداني الذي أقامه مستشفى الرازي في مدينة درنة المنكوبة.
وأوضح أنه تم إرسال 25 عنصرا من مستشفى الرازي للعمل في هذا المستشفى الميداني الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم في تقديم الخدمات الضرورية إلى الأشخاص الذين تأثروا على المستوى النفسي من هول هذه الكارثة غير المسبوقة بهدف تخفيف الضرر والمعاناة على المحتاجين للدعم خاصة أولئك الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة.
وأبلغت الطبيبة النفسية العاملة بقسم النساء، فاطمة المقدمي، وكالة الأنباء الليبية أن قسم "الزهراء"، وهو واحد من الأقسام الخاصة بالنساء في مستشفى الرازي ويختص بالحالات الحادة التي يتم تحويلها من قسم الإسعاف وتكون في حالة تهيج أو تلك التي تشكل أذى على نفسها وعلى الآخرين، يستوعب 15 حالة سريرية إلا أنه يتم إيواء حالات تفوق طاقته الاستيعابية عند الضرورة.
وقالت رئيسة قسم "الغزالة" سعاد رمضان من جهتها إن هذا القسم يتسع لـ 12 حالة سريرية وهي حالات مستقرة في معظمها لمريضات تحت العلاج مشيرة إلى وجود ست نزيلات في قاطع خاص يرفض أولياء أمورهن استلامهن رغم أنهن يستطعن العيش بأمان في البيت مع ضرورة تناول الأدوية بانتظام.
وأبلغت نزيلة المستشفى (ر ط) وكالة الأنباء الليبية أنها دخلت المستشفى عام 2017 وأكملت علاجها بالكامل إلا أن أهلها رفضوا عودتها إلى البيت.
وقالت "أتمنى من قلبي أن أرجع الى بيتنا لأن هذا مكان علاجي وليس إيوائي" متهمة أختها بأنها تعارض عودتها إلى البيت وتفرض سيطرتها على بقية أفراد الأسرة.
واشتكت مديرة الصيدلية الخاصة بمستشفى الرازي، د. هدى محمد شميلة، من نقص الأدوية وقالت إن المستشفى يواجه هذا الوضع منذ حوالي خمس سنوات، خاصة فيما يتعلق بأدوية الطوارئ
وقالت "هناك أدوية مهمة وضرورية لم تصل إلى المستشفى منذ سنة 2011 منها (الاميكتون)" الذي لا يُصرف إلا في حالات استثنائية وبأمر من الطبيب المختص".
وأضافت أن صيدلية المستشفى تصرف الأدوية للحالات التي تتردد على مستشفى الرازي وفق ما هو متوفر ويُضطر المرضى المحتاجين إلى البحث عن العلاج في صيدليات القطاع الخاص وعادة ما يكون سعرها مرتفع جدا.
ويؤكد المختصون في هذا المجال أن المرضى النفسانيين في ليبيا الذين يواصلون علاجهم خارج المستشفيات يُضطرون في معظم الحالات إلى التوقف عن تناول الأدوية بسبب عدم توفرها في المستشفيات والمراكز الحكومية ويعجزون عن شرائها من الصيدليات الخاصة.
وكانت منظمة الصحة العالمية كشفت في تقارير سابقة عن وضع الصحة النفسية في ليبيا عن حاجة واحد من كل سبعة ليبيين إلى رعاية صحية نفسية وعقلية، نتيجة الأزمات السياسية والأمنية التي عاشتها البلاد.
(وال)