Lana News
وكالة الأنباء الليبية
آخر الأخبار

تقرير لـ (وال) يستطلع تنامي ظاهرة مدبرات المنازل في ليبيا .

نشر بتاريخ:

متابعة : أميرة التومي .

طرابلس  17 ديسمبر 2023 م (وال) - تنامت ظاهرة "مدبرات المنازل " في ليبيا بشكل ملفت للنظر خلال السنوات الماضية وبات عددهن بالمئات وقد يكون بالآلاف في غياب أية إحصائيات رسمية أو شبه رسمية، وخارج أي شكل قانوني.

وترافقت هذه الظاهرة مع انتشار مكاتب وهمية في العاصمة طرابلس وفي كبريات المدن الليبية لجلب هذه العمالة المنزلية، تديرها أجنبيات خاصة من نيجيريا، وعدد من المواطنات الليبيات دون أي ترخيص قانوني.

وأمام تفاقم هذه الظاهرة الدخيلة عن المجتمع الليبي والتي عاشتها ولا تزال تعيشها مجتمعات في منطقة الخليج وفي عدد من دول الشرق الأوسط، استطلعت وكالة الأنباء الليبية آراء العديد من المستخدمين والمستخدمات والوسطاء في هذا المجال.

وتواصلت مراسلة لـ (وال) مع امرأة ليبية (اشترطت عدم الكشف عن هويتها) تستخدم "مدبرة منزل" منذ حوالي 8 أشهر، فقالت إنها تحصلت على رقم هاتف سيدة نيجيرية توفر "خادمات " من صديقة معها في العمل.

وأضافت هذه السيدة: " اتصلت بالرقم فسألتني سيدة نيجيرية قالت إن اسمها نفيسة، بلهجة ليبية مفهومة إلى حد ما، عن العمل وعن مساحة البيت، هل هو دور أو أكثر. اتفقت معها على مرتب شهري 900 دينار، يسلم إليها وليس إلى العاملة، مع شهر إضافي مقابل أتعاب المكتب".

واستطردت" بعد ثلاثة أيام اتصلت بي المدعوة نفيسة وقالت لي إنها سترسل لي عاملة نيجيرية عمرها 21 عاما مع سائق تاكسي سيتصل بي هاتفيا بعد أن استأذنتني في تزويده برقم هاتفي، لأوضح له عنوان البيت وطلبت مني تسليمه أتعاب المكتب".

وتواصلت مراسلة (وال) مع (نفيسة) على الهاتف فقالت :"أقوم بجلب الفتيات من نيجيريا إلى ليبيا عبر النيجر عن طريق مهربين، نيجريين وليبيين، أتفق معهم على سداد نصف قيمة الرحلة لكل واحدة بالعملة النيجرية والنصف الآخر لدى وصول الفتاة إلى طرابلس. وبعد ذلك أقوم بتسليمها إلى عائلة ليبية تكون تواصلت معي للحصول على "عاملة" مقابل مرتب شهري، ما بين 900 و1200 دينار، أستلمه بالكامل إلى غاية أن أستوفي ثمن الرحلة التي دفعتها وأتعابي ثم يعود المرتب إلى "العاملة" غير أنها لم تكشف عن قيمة الرحلة ولا عن مقابل أتعابها.

وقالت رويدة صالح، وهي شريكة بمكتب لجلب العاملات لمراسلة وكالة الأنباء الليبية عند سؤالها هل لديكم مكتب لاستقبال النساء اللاتي يردن أن يخترن العاملات أجابت: "كان لدي مكتب ولكنه ليس مرخصا بسبب صعوبة استخراج مثل هذه التراخيص ولكننا نفكر بفتح مكتب قانوني بالتراخيص واستجلاب مدبرات المنازل من جنسيات مختلفة".

 وكشفت رويدة أن من يقوم بإحضار العاملات لنا هو شخص من الجنوب الليبي بعد التفاهم مع "العاملات" بشأن طبيعة العمل ويعود إليها الخيار في أن تقبل أو ترفض، ولكنهن يقبلن في معظم الحالات بسبب حاجتهم إلى العمل وتوفير بعض المال لإرساله إلى أهلهن.

وأوضحت رويدة أن المكتب يقوم بدفع تكاليف الرحلة منذ مغادرة العاملة لمدينتها أو قريتها الى أن تصل الى طرابلس بناء على الاتفاق مع "الشخص من الجنوب" الذي لم تكشف عن هويته مؤكدة أن هذا الشخص يقوم بإجراء تحاليل طبية للعاملات قبل إرسالهن إلى طرابلس، وأن المكتب يقوم بإجراء التحاليل مرة أخرى قبل إرسال العاملات إلى المنازل، بحسب قولها.

واسترسلت رويدة مؤكدة نفس المعلومات التي أوردتها نفيسة بأن "العاملة" تقوم خلال الفترة الأولى من عملها بسداد تكاليف الرحلة بالكامل التي دفعها المكتب إلا أنها لم تكشف عن أية أرقام، مشيرة إلى أن المكتب يستلم تلك المصاريف مباشرة من الأسرة المشغلة للعاملة.

وأضافت أن العاملة بعد سداد قيمة الرحلة تعمل لحساب نفسها وتستلم مرتبها المتفق عليه من العائلة التي تعمل عندها لتقوم بإرساله إلى أسرتها.

 وتحدثت إحدى العاملات إلى مراسلة وكالة الأنباء الليبية التقتها في منزل صديقة فقالت إن معظم أصحاب العمل يسألون في الأول عن جواز السفر إلا أننا نأتي إلى ليبيا عبر الصحراء دون أية وثائق ولا نمر على نقاط تفتيش حيث يقوم الأشخاص الذين نتفق معهم بتأمين وصولنا إلى المكان المحدد في طرابلس الذي تديره سيدة نيجيرية وأخرى ليبية مع أشخاص آخرين ونمكث فيه إلى حين إيجاد العائلة التي سنعمل لديها.

وأضافت الشابة النيجيرية التي لم تتجاوز الـ 20 من عمرها، وقالت "إن اسمها زينب، جاءت إلى ليبيا بحثا عن لقمة العيش وعملت 3 سنوات مع عائلة كانت تجبرها على العمل لعدة ساعات متواصلة في اليوم دون راحة أسبوعية, وبعد أن سددت ثمن رحلتها من قريتها إلى طرابلس وجدت هذه العائلة التي أكدت أنها تعاملها جيدا وأنها عدلت حاليا، عن فكرة ركوب البحر إلى أوروبا".

وبسؤالها عن رحلتها من نيجيريا إلى ليبيا، قالت زينب "إن الرحلة شاقة جدا وتستغرق ما بين 15 يوما وشهرا وأقوم بسداد ثمنها من خلال عملي لدى عائلة ليبية لمدة حوالي عام ونصف العام ما يعادل 1500 يورو" مؤكدة أن بعض "العاملات" يدفعن حتى 2000 يورو.

ومن جهتها، قالت فاتو (نيجيرية) تبلغ من العمر 20 عاما وتشتغل لدى أسرة تتكون من ثلاثة أشخاص في منزل كبير "أتيت من أجل العمل وتحسين وضعي المالي ومساعدة أهلي. أنا أعيش في العاصمة أبوجا واستغرقت رحلتي في الصحراء عبر النيجر 15 يوما حتى وصلت الى طرابلس وبقيت بمنزل صديقتي التي قامت بجلبي مع عدد من العاملات إلى أن تحصلت على عمل. لقد قامت صديقتي بدفع تكاليف رحلتي الى ليبيا. كانت الطريق شاقة وطويلة وليس لدينا أوراق اثبات هوية وعند المرور بنقاط تفتيش يقومون بإخفائنا وأحيانا نراهم يدفعون مبالغ في كل نقطة إلى أن وصلنا إلى طرابلس.

 وفي سياق متصل قالت غلوريا التي تفضل مناداتها بـ (عزيزة) البالغة من العمر 22 عاما وأم لطفلين" تركت أطفالي مع زوجي وأتيت للعمل هنا لحاجة أسرتي وأطفالي إلى المال. قطعت طريقا طويلة إلى أن وصلت إلى ليبيا" مشيرة إلى أن ظروف وفرص العمل للنساء في ليبيا أفضل من نيجيريا.

وأضافت دون أن تستطيع حبس دموعها، عند توفير المال أريد أن أجلب زوجي وأطفالي إلى ليبيا ويمكثون معي.

وأفادت إحدى العاملات من (غانا) تتحدث الانجليزية بطلاقة وتبلغ من العمر 30عاما في تصريح لـ (وال) إنها تعمل حاليا لدى عائلة ليبية منذ عدة أشهر ولا تزال تدفع مقابل تكاليف الرحلة منذ أكثر من عام ولم يبين لها الشخص الذي جلبها إلى متى ستستمر في الدفع.

وروت سيدة ليبية اشترطت عدم الكشف عن هويتها تجربتها مع العاملات فقالت إنها استخدمت فتاة صغيرة من غانا كجليسة لوالدتها بسبب ارتباطها بعملها اليومي، تعرفت عليها عن طريق سيدة ليبية تقوم بجلب العاملات وعلمتها كيفية رعاية والدتها إلا أنها بعد مدة رفضت مواصلة العمل فاضطرت لإعادتها إلى السيدة التي جلبتها، وسمعت بعد مدة أنها تمكنت من المغادرة إلى إيطاليا عبر شبكة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين عن طريق البحر.

وكشفت (أميرة م.)، عملت في مجال استقدام العاملات، أنها كانت تتعاقد مع شخص من سبها تدفع له علي كل عاملة في سنوات سابقة 3000 دينار لإحضارها إلى طرابلس قبل أن يزيد المبلغ إلى 5000 دينار.

وقالت إنها جلبت "عاملات من نيجيريا" مسلمات ومسيحيات، وكانت تتفق مع الأسرة الراغبة لدفع 1000 دينار

 كأتعاب لها ثم تحصل باقي المبلغ الذي دفعته إلى الوسيط من مرتبات "العاملة بالإضافة إلى عمولة تأخذها من مرتب العاملة لمدة خمسة أشهر.

 وبعد انتهاء فترة العشرة أشهر تصبح العاملة هي من تأخد أجرة أتعابها وأضافت أنه بعد تحصيل كل المبلغ "العاملة" واستلام مرتبها مباشرة من الأسرة وتقوم بتحويل ما تريده إلى عائلتها عن طريق شبكات تنشط في ليبيا ولها امتدادات في معظم العواصم الأفريقية مقابل نسبة تصل إلى 30 في المائة من المبلغ الذي يتم تحويله.

يلاحظ أن ظاهرة "الخادمات" أو كتوصيف مهني مقبول، "مدبرات المنازل" انتشرت في ليبيا بشكل ملفت للإنتباه خلال السنوات القليلة الماضية وزادت بعد 2011، وجلبت معها مشاكل كثيرة إلى داخل البيوت الليبية التي تستخدم هؤلاء السيدات والفتيات وربما القاصرات القادمات من دول أفريقية وآسيوية، وتسبب في هذه المشاكل تتسبب إما العائلات، باستغلال "مدبرات المنازل" وإجبارهن على العمل ساعات طويلة منذ ساعات الصباح الأولى إلى ساعة متأخرة من الليل، وأحيانا كثيرة دون عطلة أسبوعية أو أية حقوق في التأمين والإجازة السنوية مدفوعة الأجر، وإما "المدبرات" اللائي ارتكبت بعضهن جرائم متنوعة.

 ويًستفاد من شهادات عدة عائلات ومن سجلات مراكز الشرطة أن هذه الجرائم تجمع بين الجوانب الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، منها خيانة الأمانة والسرقة وهروب "الخادمات" للعمل في بيوت أخرى وحتى في مؤسسات تتبع القطاع الخاص مثل المصحات وقاعات المناسبات الاجتماعية وبعض المصانع الصغيرة.

و يرى الكثير من الخبراء أنه يتعين على الجهات المختصة إيجاد حل لهذه الظاهرة المتفاقمة من خلال وضع قوانين وأنظمة تضمن حقوق المستخدمين والمستخدمات، وتضع عقوبات رادعة للطرفين ومنح تراخيص لمكاتب رسمية تعمل وفق القوانين التي يضعها المشرع الليبي.

ويشدد هؤلاء الخبراء على ضرورة إيجاد معالجات تستجيب لمتطلبات الوضع الاجتماعي الليبي، خاصة وأن هناك عائلات بحاجة فعلية وملحة إلى "عاملات" يقمن على رعاية كبار السن وتحديدا من أحد الوالدين أو كلاهما، أو أحد أفراد الأسرة من ذوي الإحتياجات الخاصة، وهي أوضاع فرضتها ظروف خاصة ناهيك عن العملية التنموية التي تشهدها ليبيا منذ ثمانينيات القرن الماضي وانخراط المرأة فيها بعد أن اقتحمت مجالات التعليم العالي، وأضحى تقدم المجتمعات ومنها المجتمع الليبي مرتبطا بتقدم المرأة وقدرتها على المشاركة في التنمية الاقتصادية، من جهة، ومساعدة الرجل في تلبية احتياجات الأطفال والبيت، من جهة أخرى.

وينصح الخبراء بخصوص رعاية الأطفال بسبب انخراط الزوج والزوجة في العمل، أنه يتوجب على الدولة العمل على إيجاد فضاءات ملحقة بالوزارات والمستشفيات والجامعات ومختلف مؤسسات العمل، لرعاية أطفال النساء العاملات، تشرف عليها متخصصات، مقابل مبلغ رمزي تساهم به المرأة العاملة، ما سيقود إلى الاستغناء قليلا عن ثقافة "الخدم" الدخيلة عن مجتمعنا وفرضتها ظروف استثنائية مرتبطة بتطور المجتمع ومتطلبات الحياة العصرية.

(وال)