المدير العام للمركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية : أدعو من خلال منبر (وال) إلى تشكيل هيئة للطاقات المتجددة تندرج تحتها كل المبادرات في الدولة الليبية.
نشر بتاريخ:( حوار / عبد الحكيم العربي .. تصوير/ فتحي شلفيط )
طرابلس 13 ديسمبر 2023 ( وال ) - أكدت دراسات موثقة أجراها خبراء دوليون أن الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز، يُعتبر أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، حيث يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويعمل هؤلاء الخبراء الملحقون بمراكز دولية متخصصة بعضها يتبع للأمم المتحدة، منذ عدة سنوات، على إيجاد الوسائل البديلة لخفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ فوق الكوكب الأزرق وخاصة ارتفاع درجات الحرارة.
وأجمعت معظم الدراسات على أهمية وضع استراتيجيات للتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتاحة وفي المتناول ومستدامة وموثوقة.
ووجدت هذه الدراسات في الشمس والرياح والمياه والنفايات المتوفرة في الطبيعة من حولنا إمكانيات كبيرة لإنقاذ الكوكب الذي نعيش فيه بالنظر إلى الملوثات القليلة التي تنبعث منها إن لم تكن منعدمة.
وأجرى مراسل لوكالة الأنباء الليبية حوارا مع أحد المتخصصين الليبيين في هذا المجال، المدير العام للمركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية، د. يوسف النعاس، في عطلة نهاية الأسبوع، لوضع المواطن في صورة الإجراءات التي يتم اتخاذها في بلادنا لمواكبة الجهود الدولية للانتقال إلى الطاقات الجديدة، قــال في مستهله إن ليبيا من الناحية الإستراتيجية دولة غنية بموارد الطاقة وأغلب تكلفة الطاقة شبه مجانية فالكهرباء بسعر زهيد جداً، وكذلك الوقود، ما جعل البحث عن بدائل في بلادنا أمرا ثانويا وفي المقابل هناك بعض الدول في العالم تسعى إلى الطاقة البديلة لأن الوقود الأحفوري والكهرباء في العالم غالية التكلفة وعلى قدر عال من الأهمية في عمليات التدفئة ما يضطر المواطن في هذه الدول أن يستخدم طاقة بديلة أوفر له.
وأضاف أن هذه الدول تضع سياسات لتتحول من الطاقة الأحفورية إلى طاقات متجددة أقل كلفة وأقل تلوث بيئي، لكننا في ليبيا لدينا الطاقة رخيصة وهي ميزة وعيب في نفس الوقت، فلا يذهب المواطن الليبي إلى البديل طالما الكهرباء رخيصة مشيرا إلى ان رخص الطاقة في ليبيا يجعل من التحول إلى الطاقة المتجددة تحديا كبيرا.
واستطرد أنه لو تبنت الدولة سياسات التحول إلى الطاقات الجديدة، وأدخلت المزيج الطاقي على الشبكة العامة، ليس على مستوى المواطنين، لأن العملية ليست مجدية لهم حاليا بسبب رخص استهلاك الطاقة، ولكن على مستوى الوحدات الإنتاجية الصغرى مثل المصانع التي باتت تدفع (1) دينار لسعر الكيلو من استهلاك الكهرباء الذي يأتي من الطاقة الأحفورية، ستكون الطاقة الجديدة أرخص لهذه المصانع ونكون بالتالي قد أسسنا لعملية التحول كاستراتيجية للدولة.
وقال في هذا الصدد إن مسؤولين عن وحدات إنتاجية ومصانع حضروا إلى المركز العام الماضي للبحث عن كيفية التحول إلى الطاقة الشمسية بسبب ارتفاع سعر استهلاك الكهرباء الخاصة بالمصانع خاصة وأن الآلات الصناعية تقوم بسحب الكهرباء بشكل كبير.
وأشار النعاس إلى أن المركز لديه تعاون ومشاريع مع وزارة الصناعة من خلال سلسلة من الاجتماعات مع وكيل وزارة الصناعة للشؤون العامة بمصراته حيث قدم المركز مقترحا لإنشاء لجنة عليا للتحول إلى الطاقة الجديدة على مستوى وزارة الصناعة، وتمكين المؤسسات الصناعية من الوصول إلى هذه الطاقة، ووضع استراتيجية بالتعاون مع الشركة العامة للكهرباء تستقل بموجبها هذه المؤسسات عن الشبكة العامة غير أنه أشار إلى أن هذا المشروع في حاجة إلى مستثمرين وتمويل مؤكدا أن مردوده سيكون في صالح أصحاب المصانع ومؤسسات الإنتاج عامة عبر تقليص فاتورة استهلاك الطاقة المتأتية من الوقود الأحفوري وسيفتح الباب أمام الكثير من المستثمرين في مجال الطاقة المتجددة.
وردا على سؤال (وال) حول مشروع إنشاء محطة الهيدروجين الأخضر في ليبيا أوضح النعاس أن الفكرة جاءت بعد الحرب الروسية الأوكرانية والخلل الذي حدث في الخريطة الطاقوية العالمية، واتجاه أوروبا لتوفير بديل عن الغاز الروسي، وبعد أن شعر الأوروبيون بخطر التمدد الروسي في منطقة الشرق الأوسط ما سبب نقصا في امدادات الغاز وأصبحت فرنسا وألمانيا على سبيل المثال تواجهان مشاكل في طرح الأحمال وكذلك بعد أن لاحظنا التوجه الدولي والرغبة الدولية في وجود وقود بديل، وهو الهيدروجين الأخضر، الوقود الصديق للبيئة ونسبة الانبعاث به تساوي الصفر.
واستطرد أن منطقة شمال أفريقيا مستهدفة من قبل دول الاتحاد الأوروبي وبعض الشركاء الدوليين وستصبح مركزا لمحطات مهمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر مبينا في هذا الخصوص أن المركز درس التجربة المغربية عن قرب في هذا المجال حيث قام وفد من المركز بزيارة المملكة المغربية وخلُص إلى ضرورة أن يتم الآن وضع أساسات لمشروع بحثي لمحطة إنتاج الهيدروجين الأخضر يُمكن للمؤسسة الوطنية للنفط والجهات العاملة في مجالات الطاقة أن تستخلص منها النتائج.
واستطرد شارحا:" يتعين حاليا إنشاء محطة تجريبية بدلاً من الدخول في مغامرة استثمارية حيث يبني المركز محطة للأبحاث على الساحل لاستخدام مياه البحر وتحليتها في هذه المحطة البحثية التي قد تمكن الباحثين في المركز وأعضاء هيئة التدريس من الوصول إلى ابتكارات وأفكار جديدة وتمكن صانعي القرار من تجميع مؤشرات اقتصادية وبيئية في هذا المجال".
وأضاف أن المركز سعى كمؤسسة متخصصة إلى إصدار قرار المشروع الوطني للهيدروجين الأخضر التابع لهيئة البحث العلمي، وبدأ في تشكيل الفرق من المتخصصين والباحثين والخبراء في مجال الطاقات المتجددة في العام الماضي، وفي تجميع البيانات واستقر الرأي على أن مصراتة تُعتبر أكثر منطقة بها إمكانية إقامة المحطة، شارحا أن مشروع الهيدروجين الأخضر يحتاج إلى تطبيق بمعنى أن إنتاج الهيدروجين يحتاج إلى من يشتريه وبوجود مجمع الحديد والصلب ووجود المنطقة الحرة في مصراتة كشركاء للمركز، سيتم، حسب قوله، تزويد المجمع والمنطقة بالهدروجين.
وقال النعاس "لقد بدأنا في إجراءات اختيار الأرض وتشكيل الفريق ووضع التصاميم للمحطة وانتهينا من أغلب الأعمال التصميمية والتجهيزية، والمركز جاهز الآن ويبحث عن شريك يمول هذا المشروع واتجهنا إلى شركة الحديد والصلب لتحديث استراتيجيات الشراكة بينها وبين المركز".
وفي إجابته على سؤال حول التاريخ المتوقع لبدء هذه المحطة في إنتاج الهيدروجين، قال المدير العام للمركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية، إن المشروع متوقف على جدية الشركاء المحليين مضيفا أن المركز بصدد البحث عن شريك أجنبي وقام بجس نبض الجانب الألماني عند قيام سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بزيارة المركز للمشاركة كداعم فني ولوجستيكي مع الشركاء المحليين مؤكدا أن المركز جاهز من ناحية التصاميم والفنيين المتخصصين في الهيدروجين الأخضر والباحثين والكادر البشري جاهز بالكامل في انتظار بدء التوريد، وانطلاق الأعمال المدنية في الموقع.
وأردف في هذا الصدد أن المركز أصدر قرارا في يوليو الماضي يُعرف الهيدروجين الأخضر على أنه وقود بديل عن وقود الطائرات والسيارات، وهو يعتمد على خلايا الحرق لديه واتحاده مع الأكسجين، ويُنتج طاقة يتم تحويلها إلى طاقة حركية أو حرارية ومخرجاته ماء، مشيرا على سبيل المثال إلى أن وقود البنزين المستخدم للسيارات تكون مخرجاته عند عملية الاحتراق ثاني أكسيد الكربون المضر للبيئة، ما يجعل الهدروجين وقودا صديقا للبيئة.
واستطرد شارحا أن الهيدروجين عنصر لديه الكترون واحد وأن قوته الأيونية عالية تستخدم في فصل الإلكترون من النواة عند صناعة القنبلة ويسبب الانفجار ولكن في مجال الوقود (الفيول) يُستخدم كجُزء ويدخل في عمليات الحرق ويستخدم كوقود بديل.
ونبه النعاس قائلا: "في عام 2030 ستعمل كافة المطارات في العالم بمحطات الهيدروجين الأخضر، والمطارات التي ليس لديها محطة هيدروجين لن تهبط فيها أي طائرة"، مشيرا إلى أن هذه هي سياسة هيئة الطيران العالمية في المستقبل ولن يُوجد طيران في المستقبل يعمل بالكيروسين لأنه يُطلق غاز (نيتروز) وهو غاز ملوث جداً لطبقة الستراتوسفير، الواقعة بعد الغلاف الجوي حيث وجد العلماء أن بها تلوثا كبيرا جداً.
وأضاف أن الهيدروجين الأخضر يُطلق عليه في المحافل الدولية (الوقود الواعد) مؤكدا أنه في عام 2050 ستكون جميع وسائل النقل، الطائرات، البواخر، المركبات الآلية، وحدات توليد الكهرباء، وحدات الصهر، جميعها تعمل بالهيدروجين الأخضر، وسيُصبح الوقود الأحفوري مختصرا على الصناعات البتروكيماوية، وسيتم أيضا تحويله إلى (أمونيا) وهي مادة مهمة جداً في الصناعة.
وحول سؤال عما إذا كان المركز وصل إلى تحقيق ما يطمح إليه في مواكبة التطور العلمي في هذا المجال أجاب النعاس: " أود أن أنتهز الفرصة المتاحة لأقول إن حكومة الوحدة الوطنية قائمة بدورها ولكن هناك بعض الأعمال أوكلت لغير أهل الاختصاص حيث نُظم مؤتمر حول الطاقات المتجددة في الآونة الأخيرة وتم تمثيل ليبيا من قبل أشخاص غير متخصصين وهم غير معنيين من الأصل، ونحن هنا في المركز لدينا 26 من حملة شهادة الدكتوراه ومتخصصين، وعدم إشراك أهل التخصص في رسم السياسات سينعكس سلباً في توجه الدولة".
ودعا المدير العام للمركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية، د. يوسف النعاس في هذا الصدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى إنشاء هيئة للطاقات المتجددة تضم كل المسميات وتُوكل المهمة إلى أهل الاختصاص لحضور المؤتمرات وتمثيل ليبيا دوليا، معربا عن الأسف لقيام من لا يتحدث حتى اللغة الأنجليزية وليس متخصصا في هذا المجال بالجلوس مع علماء متخصصين ويمثل دولة ليبيا، متسائلا "كيف يُمكن لشخص فاقد للغة التواصل أن يُمثل ليبيا في مثل هذه المؤتمرات الفنية المتخصصة".
وأضاف أن ليبيا مواكبة في مجال الطاقات الجديدة لكن أهل الإختصاص ليس لديهم فرصة وحرص على القول: "إن رئيس الوزراء لا يعلم أن التمثيل في المحافل الدولية هو لغير أهل الاختصاص، ولو عرف فأنا متأكد أنه سيرفض ذلك".
واستطرد: "نحن لا نبحث عن مهات سفر ولكن هذه بلادنا، وأنا مضطر أن أوضح ونأمل أن يصل صوتنا وأدعو من خلال منبر وكالة الانباء الليبية إلى تشكيل هيئة للطاقات المتجددة تندرج تحتها كل المبادرات في الدولة الليبية".
وحول المشاريع المستقبلية للمركز أفاد النعاس (وال) أن المركز سيتبنى عام 2024 دراسات لإيجاد حلول لمشاكل المجتمع المتصلة بالطاقات الجديدة حيث خرج المركز من الإطار البحثي ويركز سياسته في لجنته العلمية ومن خلال خبرائه على تبني الدراسات التي تساهم في حل مشاكل المجتمع المتعلقة بالتحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة الجديدة في إنارة الطرق والإشارات الضوئية بالطاقة الشمسية واستخدام السخانات الشمسية في البيوت، وكذلك تبني الدراسات المتعلقة بالأمن الغذائي، وكيفية توصيل المياه بالطاقة الشمسية.
وقال النعاس إن طموحنا كبير والعالم متجه الآن للتحول إلى الطاقات الجديدة بقوة، وليبيا ليست دولة مستثنية وعليها تركيز البحوث في هذا المجال حاثا السلطات المسؤولة إلى تقديم الدعم للمركز الذي يعمل حاليا في إطار ضيق وبإمكانيات بسيطة رغم أنه أول مركز بحثي عربي أنشئ منذ عام 1978 على مستوى الدول العربية في هذا المجال.
وأكد أن مجال الطاقات المتجددة يفتح فرص عمل كبيرة للشباب مشددا على أن ليبيا تتوفر على الموارد اللازمة للطاقات الجديدة والمتجددة ويمكنها تحقيق الإكتفاء الذاتي والوصول إلى التصدير إلى قارة أوروبا.
وشدد المدير العام للمركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية، د. يوسف النعاس، في ختام هذا الحوار الصريح على أن الإمكانيات في ليبيا متاحة والموارد البشرية موجودة، والإمكانيات التدريبية في المركز كبيرة، والمعامل موجودة، والمؤهلين المهندسين موجودون ومناخ ليبيا يساعد في الاستثمار ويجب بالتالي العمل على تحقيق استراتيجية التحول في ليبيا إلى الطاقات الجديدة.
يذكر أن المركز الليبي لبحوث ودراسات الطاقة الشمسية تأسس عام 1978، لتوفير خدمات متعددة تتماشى مع رؤيته الخاصة في أن يكون مؤسسة للبحث والتطوير وبیت خبرة تقني لتوظيف المعرفة العلمية، حيث يقوم المركز بدعم البحوث والدراسات العلمية وتطويرها من أجل توسيع أفق المعرفة في مختلف مجالات الطاقة المتجددة.
وتتمثل رسالة المركز بالتخطيط للبرنامج العلمي النظري والتطبيقي في مجال الطاقة المتجددة والمساهمة في الابتكار والابداع من خلال تنفيذ الابحاث والدراسات العلمية ونشر المعرفة والخبرة التقنية في المجتمع، وأيضا من خلال تقديم الدعم العلمي والخبرة التجريبية للمؤسسات التعليمية والصناعية والسعي الى توطين وتطوير تقنيات الطاقة المتجددة لتكون ملائمة لظروف البلاد، بالإضافة إلي إجراء الأبحاث التي تهتم بزيادة كفاءة الطاقة وترشيد استخدامها بما یخدم التنمية المستدامة في ليبيا.
ویھدف المركز إلى تقليل الفجوة العلمية مع الدول المتقدمة عبر مواكبة التطور العلمي في مجال الطاقة المتجددة وتطبيقاتها من خلال، تنمية الابتكارات الوطنية في مجال الطاقة المتجددة والتوظيف الفعال للكفاءات العلمية والتقنية وتوجيهها نحو امتلاك المعرفة وخدمة قضايا التنمية المستدامة، نشر المعرفة العلمیة ووضع البرامج الإعلامية الهادفة للتعريف بأھمیة الطاقة المتجددة، تكوين قاعدة وطنية كفؤة من الكوادر المتميزة في مجالات الطاقة المتجددة، السعي لنقل المعرفة العلمية والتقنية وتوطینھا وتطويرها في مجال الطاقة المتجددة، تبادل الخبرات والمعلومات في مجالات الطاقة المتجددة مع المؤسسات المحلیة والاقليمية والعالمية، تقديم الاستشارات التقنية والعلمية واعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية للمشاريع المقترحة في مجال الطاقة المتجددة، تقديم الاستشارة الى الجهات التشريعية في سن التشريعات والقوانین التي من شأنها تشجيع استعمال الطاقة المتجددة.
.. (وال)..