برفسور بيئي لـ (وال) : سرعة التغيير المناخي في الفترة الأخيرة كان مفاجئا ومن المتوقع انخفاض رقعة التصحر في ليبيا.
نشر بتاريخ:بنغازي 05 أكتوبر 2023 (وال) - هطلت أمطار غزيرة يوم الأحد الماضي على مدينة أوباري جنوب غرب ليبيا، تسببت في جريان السيول و تحوّل المنطقة الصحراوية إلى بحيرة بعد تشبعها بالأمطار.
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لصحراء أوباري وهي مغمورة بالمياه على شكل بحيرة كبيرة، وتوقعهم بحدوث تغير جغرافي للمنطقة وتحول الصحراء إلى بحيرات مائية.
ويتوقع النشطاء عبر منشوراتهم أن تكون هذه البحيرات مؤقتة وأنها ستجف مع مرور الوقت أو أن تتحول إلى سبخات.
وكالة الأنباء الليبية، تواصلت مع البروفسور في علوم البيئة والبيئة النباتية بكلية العلوم جامعة بنغازي أ.د سالم الشطشاط الذي قال: إن "التغيرات المناخية وتأثيرها ليست وليدة الساعة، وإنما حدثت منذ فترات وأحقاب عدة على الكرة الأرضية، والتغير المناخي في عصرنا الحاضر بدأ بشكلٍ فعلي بزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي، بسبب قطع الأشجار والغابات والتلوث البيئي الناجم عن الصناعة، وزيادة تعداد السكان، واستخدام الوقود الأحفوري والتوسع الزراعي والحضري".
وتابع الشطشاط : "القطع المستمر للنباتات والأشجار التي تعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء الجوي، ساهم بشكلٍ كبيرٍ جدًا في زيادة هذا الغاز في الغلاف الجوي، ومن ثم ساهم في التغير المناخي".
ارتفاع حرارة الأرض
وتابع: "في عام 1991 م في مؤتمر قمة الأرض الذي جمع رؤساء العالم في ريودي جانيرو بالبرازيل، صرح فيه العلماء بأن حرارة الأرض ستزداد بمعدل 3 - 5 درجات مئوية لكل مئة عام، و قد وضع العالم أول خطوط حمراء تحذيرية بأن القادم سيكون صعبًا مالم يتم الالتزام بما ورد في هذا المؤتمر، وذلك بالحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو، وزيادة الرقعة الخضراء والكف عن الاعتداء على الغطاء النباتي، وتحديد النسل، وخلافها من الأسباب".
وتابع: "خلال الألفية الثالثة وتحديدًا من بداية عام 2000 م، بدأ العالم يشهد موجات من الحر في كثير من بلدانه، حتى الدول المعروفة ببرودتها مثل ألمانيا وشمال فرنسا وبريطانيا، شهدت هي أيضًا موجات حرّ غير متوقعة، تجاوزت الحرارة في بعضها 40 درجة مئوية وهو أمر نادر الحدوث، إلا أن المناطق الجافة وشبه الجافة منها ليبيا وكثير من مناطق البحر المتوسط، عانت هي أيضًا بشكلٍ كبيرٍ جدًا، وكان تأثير الجفاف عليها واضحًا، بسبب قلة معدلات الأمطار وسقوطها في فترات محدودة، وبشكلٍ متذبذب الأمر الذي ساهم في زيادة ارتفاع درجات الحرارة ليصل في بعضها 50 درجة مئوية في عام 2023، وكانت سببًا رئيسًا في اندلاع الحرائق في اليونان وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا وسوريا ولبنان وغيرها من دول المتوسط".
العواصف الاستوائية
وأشار إلى أنه لم تمض فترة طويلة لا تتجاوز أسبوعين حتى حدث انهيارٌ مناخيٌّ، طبقًا لوصف الأمم المتحدة، الذي أدى إلى ظهور العواصف الاستوائية بمنطقة حوض المتوسط و من أمثلتها دانيال الذي ضرب معظم دول المتوسط منها ليبيا، ليسجل معدلات سقوط أمطار غزيرة غير متوقعة وصلت إلى حوالي 700 ملم في اليونان، وحوالي 420 ملم في شرق ليبيا وتحديدًا في البيضاء في يوم واحد، وهذه الكمية تُمثل إجمالي كمية الأمطار التي تسقط على هذه البلدان خلال عام واحد، وكل ما يسقط خلال عام سقط في عددٍ محدود من الساعات، ولم يتجاوز يومًا واحدًا.
وتابع: "طبيعة الأراضي والوديان والمسارات المائية في هذه المناطق غير متكيفة مع هذه الكمية، و قد نجم عن ذلك زيادة معدلات التدفق بشكلٍ كبيرٍ جدًا، مما سبب الانجراف في التربة والتغير في النمط الطبيعي للمناطق التي حدثت بها هذه الظاهرة وخصوصًا في منطقة الجبل الأخضر شرق ليبيا".
الغطاء النباتي
ونوه البروفسور في علوم البيئة والبيئة النباتية بكلية العلوم إلى أن منطقة الجبل الأخضر تُحاط من الجهة الجنوبية بمنطقة تعرف بالبلط، وهي عبارة عن حزام صحراوي يندر به الغطاء النباتي مقارنة ببقية مناطق الجبل الأخضر، ومعظم نباتاته رعوية أو ذات طابع صحراوي.
وأوضح أن مياه الأمطار المتساقطة على الجبل الأخضر تصل من جزئه الجنوبي عبر بعض الأودية والمسارات إلى هذه المناطق الصحراوية، ولكن بشكلٍ بسيط لا يكاد يُذكر، إلا أن الكميات الكبيرة التي سقطت بفعل عاصفة دانيال اندفعت بشكلٍ كبيرٍ جدًا لتغطي مساحات شاسعة في كل من مناطق المخيلي والعزيات، لتظهر في صورة بحيرات كبيرة على مد البصر، وهذه الكميات الكبيرة قد تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الغطاء النباتي الرعوي بالمنطقة وتطويره وبروز النباتات الحولية بها، ويعتمد ذلك بدرجة كبيرة جدًا على ما يعرف بخزان البذور "Seed bank" بالمنطقة، فإن كانت كمياته وأنواعها متوفرة، فسيشهد ازدهارًا وإن كان غير ذلك فعكس ذلك صحيح، وقد لا تنبت كل الأنواع خلال هذا الموسم، ومن الممكن أن يلاحظ تطورٌ خلال الأعوام القادمة، إذا ما كانت كميات الأمطار تتساقط بوتيرة مناسبة، وهو أمر من الصعب الجزم به باعتبار أن هذه المناطق في واقع الأمر معدلات أمطارها ضعيفة لنطاقها الصحراوي وتغذيتها بالدرجة الأولى تعتمد على معدلات أمطار الجبل الأخضر.
التعاقب البيئي
وتابع: "يمكن إسقاط هذه الوقائع على مناطق الجنوب الغربي في ليبيا مثل أوباري وغات، فهي تقع في المنطقة الصحراوية التي تندر بها معدلات الأمطار ولا تكاد تذكر طوال العام، إلا من بعض الزخات التي تحدث فيها من حين لآخر، وقد تكون أحيانًا قوية، كما حدث خلال اليومين الماضيين، وتسبب في قوة اندفاع بعض الوديان والمسارات، وتكون بحيرات مؤقتة سرعان ما تختفي في ظل ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار".
خلاصة القول إن التغير في أي نظام بيئي يستغرق وقتًا طويلا، والنظم الصحراوية تأخذ زمنًا طويلا لحدوث ذلك، حتى أن التعاقب البيئي فيها لا يكون واضحًا إلا بعد فترة زمنية بسبب طبيعتها وقسوتها وقلة وفرة غطائها النباتي، اللاعب الأول والرئيس في حدوث هذا التغير.
واختتم البروفسور سالم الشطشاط حديثه قائلا إن ما حدث كان متوقعًا على أن يتم عبر مئات السنين، إلا أن حدوثه بهذه السرعة وهذه الصورة كان مفاجأة للجميع لدرجة أن البعض أطلق عليه انهيارًا مناخيًا أو انفجارًا مناخيًا.
من جهته، أوضح الصحفي والمتخصص في شؤون البيئة ماهر الشاعري – لمراسل "وال" إن أسباب التغيير الجغرافي الذي قد يحدث للصحراء، هو تغيير مؤقت جاء نتيجة كميات الأمطار التي هطلت و قد كانت أعلى من معدلات امتصاص التربة لها.
وأضاف الشاعري أن الصحراء هي طبقة شبه صخرية، وبالتالي المياه ستتجمع لفترة معينة وتتبخر ويذهب منها جزء للمخزون السفلي تحت الأرض.
وأكد أن جغرافية الصحراء لن تتغير، ومن المتوقع أن تُؤثر كمية المياه إيجابًا على ربيع المنطقة، نظرًا لارتفاع المخزون المائي فيها.
(وال – بنغازي) تقرير / بشري العقيلي